لم تعكس الجلسة التشريعية الأولى التي عقدها مجلس النواب المنتخب حديثا اي جدية في التعامل مع مرحلة هي الأخطر على الاطلاق في تاريخ لبنان الحديث. وبالرغم من محاولة نواب «التغيير» فرض ايقاع جديد من العمل النيابي بمسعى لتفعيله وفرض نوع من الشفافية بالممارسة، ذهبت الأمور باتجاه أفقد المجلس هيبته خاصة بعد استخدام مصطلحات من قبل البعض خارج اطار اللياقة والاحترام.
وبعد نحو أيام من شح الخبز على الاراضي اللبنانية كافة، دخلت البلاد في الساعات الماضية في ما يشبه الفقدان شبه الكامل للمادة، وهو ما اعتبرته مصادر مطلعة في حديث لـ»الديار» تكرار لسيناريوهات سابقة، بحيث «يُسحب القسم الاكبر من مادة حيوية معينة من السوق لاقناع المواطن بوجوب رفع الدعم عنها لتوافرها، ما يجعل اللبناني امام معادلة المر أو الأمر، فيسكت عن تضخم الاسعار مقابل تمكنه من حصوله على المادة، وآخرها اليوم الرغيف، وهذا ما شهدناه مع البنزين والمازوت وقبلهما الزيت…».
وعلى وقع الحلول الترقيعية للأزمات المتفجرة، يعود الوسيط الاميركي السفير آموس هوكشتاين الى بيروت نهاية الاسبوع الجاري لبت مصير مفاوضات ترسيم الحدود البحرية. وقالت مصادر مواكبة للملف لـ»الديار» ان «ايجابية حذرة تحيط بالملف، على وقع تصعيد من الطرفين اللبناني والاسرائيلي يفترض انه طبيعي ومنطقي في مرحلة شديدة الدقة من المفاوضات». فبعد تصعيد حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله بقوله ان «الوقت ليس مفتوحًا وإذا جاء أيلول وبدأ العـدو بالاستخراج ولم يأخذ لبنان حقه فنحن ذاهبون الى المشكل»، قال وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس، يوم أمس: «نحن نسعى لحلّ مع لبنان بشأن المناطق البحرية المتنازع عليها، لكن أمين عام حزب الله يعيق التوصل لحلّ وهو من سيلحق الضرر بالطاقة ووضع اللبنانيين»، معربا عن أمله «ألا نتدهور إلى حرب أو أيام قتال لكن علينا الدفاع عن قدرتنا على استخراج الغاز دون المس باللبنانيين».
لبنان الطرف الأقوى
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أبلغ المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان جوانا رونيسكا ان الوسيط الاميركي السفير آموس هوكشتاين آت الى بيروت نهاية الاسبوع الجاري للبحث في آخر التطورات المتصلة بالمفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية. وقالت مصادر مواكبة للملف أن اتهام غانتس السيد نصرالله بعدم رغبته التوصل لحل، «متوقع ومنتظر. فحزب الله هو الذي يفرض اليوم شروطه ما يجعل لبنان مفاوضا من موقع قوة. لا بل لا نبالغ بالقول انه الطرف الأقوى بالمفاوضات لأنه قادر على منع اسرائيل في حال عدم الرضوخ لشروطه من اية عملية استخراج، علما ان ذلك يسري عليه منذ سنوات وبالتالي لن يتأثر بفشل المفاوضات كما ستتأثر اسرائيل». واضافت المصادر:»يفترض أننا وصلنا الى مراحل متقدمة من هذه المفاوضات ما يدفع طرفيها لرفع السقف بمسعى لتحصيل الكم الأكبر من المكاسب. الوضع دقيق ويفترض ان نكون على مستوى المرحلة ونقف خلف المقاومة اليوم باعتبار ان ورقة التفاوض انتقلت اليها لأنها الطرف الأقوى القادر على لجم واخضاع اسرائيل».
استعدوا… ربطة الخبز تلامس الـ30 ألفا
وبالرغم من أهمية ملف الترسيم، الا انه لا يتصدر في الوقت الراهن أولويات اللبنانيين المنهمكين بتأمين ربطة خبز لعائلاتهم ما يدفعهم للاصطفاف في طوابير طويلة من الذل منذ أيام، علما انه في الساعات الماضية استفحلت الازمة ما يؤشر الى اقتراب موعد رفع الدعم عن الخبز وهو ما سيؤدي لبلوغ سعر الربطة الواحدة الـ30 ألف ليرة على الاقل.
ويبدو ان كل من رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد يغرد على ليلاه في هذا الملف. ففيما كان الوزير قد وعد برفع تدريجي للدعم وعلى مراحل في حال اقرار مجلس النواب قرض البنك الدولي البالغ 150 مليون دولار للإستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح، وهو ما أقر فعليا يوم أمس خلال الجلسة التشريعية، بدا واضحا ان رئيس الحكومة لا يؤيد خطة الوزير أمين سلام اذ قال بالفم الملآن يوم امس:»هناك تهريب للطحين واذا أردتم وقف التهريب خذوا توصية برفع الدعم فورا والحكومة مستعدة للتنفيذ».
وقالت مصادر مطلعة على الملف لـ«الديار»: «نحن نقترب اكثر من اي وقت مضى من رفع الدعم عن الخبز لأن خلاف ذلك سيبقى الشح بالطحين المدعوم ولن نتمكن من انهاء ظاهرة الطوابير…أما خطة الوزير فتبدو مثالية في مرحلة لا شيء فيها طبيعي، ما يجعلها غير قابلة للتنفيذ، لذلك على اللبنانيين ان يستعدوا ليدفعوا أقله 30 ألفا سعر الربطة الواحدة».
من جهته، رد امين سر نقابة المخابز العربية في بيروت وجبل لبنان ناصر سرور تجدد أزمة الخبز وصولا لانفجارها إلى اصدار وزير الاقتصاد يوم الاثنين قرارا منع بموجبه المطاحن توزيع الطحين المدعوم المخصص لصناعة الخبز العربي على الافران بهدف تنظيم عمليات تسليم الطحين للافران وسط ازمة نقص حادة في مادة الطحين تشهدها الافران والمخابز لا سابق لها.
وأضاف سرور في بيان «يوم الثلاثاء اصدرت الوزارة جداول بتوزيع الطحين على الافران من دون مراعاة موقع الفرن الجغرافي والمسافة بين طرابلس وجبل لبنان وشروط إنهاء الازمة التي طالبنا بها وشرحنا تفاصيلها سابقا. لذلك، ندعو المواطنين الى عدم التهافت والوقوف بالطوابير امام الافران لان غالبيتها لا طحين لديها. ونطالب وزارة الاقتصاد والتجارة بإعادة النظر في توزيع حصص الافران من الطحين وفقا لحاجة كل فرن ومنطقة».
«المهزلة» التشريعية
وبدل ان يكون مجلس النواب، المؤسسة الوحيدة الفاعلة والقادرة على التخفيف من أزمات اللبنانيين بغياب حكومة فاعلة، على مستوى التحديات، أظهر يوم أمس أنه تحول لحلبة صراع بين النواب الذي ينتظر كل منهم الآخر عند أول هفوة لينقض عليه. وقد شهدت الجلسة الصباحية أكثر من سجال بين رئيسه نبيه بري وعدد من نواب «التغيير» اتسم بقلة الاحترام والخروج عن آداب اللياقة.
وقالت مصادر واكبت الجلسة لـ«الديار» ان نواب «التغيير» يسعون لفرض ايقاع ونمط جديد من العمل النيابي يُقابل برفض مطلق من قبل رئيس المجلس والنواب المحسوبين عليه والمقربين منه، وهو ما سيجعل كل جلسة بمثابة كباش حاد بين طرفين يحاول كل منهما كسر الآخر، ما سيؤدي تلقائيا لحرف بوصلة «التغييريين» عن هدفها».