عام بعد آخر، سيبقى الرابع من آب يوماً لتمجيد ذكرى ضحايا انفجار مرفأ بيروت وتخليد إجرام المنظومة الحاكمة على حد سواء… وإذا كان للباطل جولة فسيبقى للحق والحقيقة ألف جولة وجولة، وما مشهدية تلطيخ أهالي الضحايا العلم اللبناني والأيادي بالأحمر أمس، سوى رسالة دموية صارخة في مواجهة “مافيا النيترات” من قتلة الآباء والأمهات والأطفال، تأكيداً على أنّ المجرم معروف وإجرامه موصوف وستظل أياديه ملطخة بالدماء مهما طال الزمن.
وفي الذكرى السنوية الثانية لتفجير المرفأ، رضخت الاهراءات فانهارت صوامعها لكن الأهالي رفضوا الرضوخ والاستسلام وقالوا بالصوت والصورة: “4 آب حيّ فينا”، فرفعوا نعوش أبنائهم على الأكتاف طلباً للحقيقة والعدالة والاقتصاص من المجرمين، مطالبين بتحرير القضاء وتمكين المحقق العدلي من استكمال تحقيقاته “من دون المزيد من العوائق”، فمنحوا أركان السلطة مهلة 90 يوماً لإتاحة المجال أمام القاضي طارق البيطار “إصدار تقريره النهائي” وإلا فإنهم يعتزمون التوجه إلى مجلس الأمن الدولي طلباً لتدويل التحقيق عبر “توفير التمويل لإنشاء هيئة مختصة ومستقلة مكلفة بالتحقيق بأسباب انفجار مرفأ بيروت وتحديد المسؤولية عن هذه المأساة”، مع التشديد على وجوب “إلزام الحكومة اللبنانية وقاضي التحقيق وجميع الأطراف الأخرى في لبنان تسليم جميع المعلومات والوثائق والبيانات التي يملكونها عن كل شيء يتعلق بتفجير المرفأ والتعاون بشكل كامل مع اللجنة المستقلة“.
وبهذا المعنى توجه الأهالي إلى دول “العالم الحر” بالقول: “بدنا ياك قولاً وفعلاً إلى جانب قضيتنا”، فوجّهوا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عرضوا فيها معاناتهم المستمرة إذ “بعد عامين من المأساة لا حقيقة ظهرت ولا عدالة أتت، وعلى الرغم من إدعاء القضاء اللبناني على عدة وزراء سابقين، وهم نواب حاليون، نجح هؤلاء وبدعم من أحزابهم السياسية في عرقلة التحقيق، من خلال الانتهاك الصارخ لسير العملية القضائية والمسار السياسي، ومنع قاضي التحقيق طارق البيطار من أداء مهامه منذ أيلول 2021 بسبب طعون قانونية زائفة”، وخلصوا إلى التأكيد على أنهم لم يعودوا يثقون “بأن حقيقة هذا الحادث المأساوي وتحديد المسؤوليات سيتمان من دون دعم ومساعي الأمم المتحدة“.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد استذكر في تغريدة أمس “حالة الذهول” التي أصابته في آب 2020 ودفعته إلى السفر إلى لبنان، مجدداً التأكيد بعد عامين على انفجار المرفأ على أنه “يجب إحقاق العدالة”. كما شدد الاتحاد الأوروبي على “ضرورة متابعة التحقيق في الانفجار من دون عوائق وبعيداً من التدخل السياسي، وأن يكون التحقيق نزيهاً وموثوقاً وشفافاً ومستقلاً وأن يتوصل إلى نتائج من دون مزيد من التأخير من أجل الكشف عن أسباب المأساة ومحاسبة المسؤولين عنها“.
وفي بيروت، أعاد البطريرك الماروني بشارة الراعي “رفع صوت الغضب بوجه كل المسؤولين، أيًّا كانوا وأينما كانوا ومهما كانوا، أولئك الذين يعرقلون التحقيق، كأنّ ما جرى مجرّد حادث تافه وعابر لا يستحقّ التوقف عنده ويمكن معالجته بالهروب أو بتسوية أو مقايضة كما يفعلون عادةً في السياسة”، لافتاً خلال ترؤسه قداساً لراحة نفوس ضحايا آب في كاتدرائية مار جرجس في بيروت إلى “أنّنا اليوم أمام جريمتين، هما جريمة تفجير المرفأ وجريمة تجميد التحقيق”، ولفت إلى كون “السلطات الحاكمة والمهيمنة لا تستطيع التبرؤ مما حصل، فمنها من تسبب بالتفجير، ومنها من علم بوجود المواد المتفجرة وبخطورتها، وأهملَ، ومنها من تلكأ، ومنها من سكت، ومنها من غَطى، ومنها من جَبُنَ، ومنها من عَطّلَ التحقيق، ومنها من وجدَ في تجميد عملِ القاضي المسؤول الحلَّ المريح لكي يتهرب من مسؤوليّة حسم مرجعيّة التحقيق”، مؤكداً على أنه “لا يحقّ للدولة أن تمتنع عن إجراء تحقيقٍ محلي وتُعرقل في المقابل إجراء تحقيقٍ دولي“.