وسط مناخ سياسي موغل في العقم والتفكك والغموض حيال الاستحقاقات المصيرية التي يواجهها لبنان في الفترة المقبلة، برز امس تطور قضائي يتصل بملف انفجار مرفأ بيروت وينطوي على دلالات مهمة. فبعد ستة أيام على الذكرى الثانية لانفجار 4 آب الذي تعطل التحقيق العدلي فيه منذ شهور طويلة، كشف امس ان رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت القاضية نجاح عيتاني أصدرت قراراً بإلقاء الحجز الاحتياطي على أملاك عينية بقيمة 100 مليار ليرة تخصّ النائب علي حسن خليل. وجاء هذا القرار تبعاً للدعوى المقامة أمام محكمة البداية المدنية من مكتب الادّعاء في نقابة المحامين في بيروت بوكالته عن المتضرّرين من الانفجار بموضوع التعسّف في استعمال الحقّ في إطار التحقيق الجاري في ملف المرفأ. وتبين ان هذا القرار صدر عن القاضية عيتاني في الثالث من آب الجاري وشمل إلقاء الحجز الإحتياطي على أملاك تخصّ النائب غازي زعيتر ايضا. وأفادت مصادر مطلعة أنّه لم يتبيّن وجود أملاك عينيّة تخص زعيتر. ويعود لمقدمي الشكوى المدنية أمام محكمة البداية تقديم طلب الحجز الاحتياطي على ملكية فردية للجهة المقدّمة بوجهها، ووافقت رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت على الطلب بإلقاء الحجز بانتظار بت الشكوى المتصلة بالتعسف في إحقاق الحق.
اما على صعيد الوضع السياسي العام، وفي انتظار توافر معطيات دقيقة عن نتائج الزيارة الأخيرة للوسيط الأميركي في ملف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين لإسرائيل، واتضاح موعد عودته المحتملة الى بيروت، بدا المشهد الداخلي متخبطا بفوضى أولويات متداخلة تحت وطأة تفكك السلطة والحكم والحكومة، بدليل هذا الانفصام الحاصل في إدارة الازمات كأن كلا من الرؤساء”يغني على ليلاه” ويعزف الحانه الخاصة. فلا مؤشر يدل الى ادنى جهد لاعادة لملمة الواقع الحكومي سواء على قاعدة تفعيل حكومة تصريف الاعمال، ولو في الاطار المحدود لصلاحياتها اقله من اجل التصدي للملفات الأكثر الحاحا. ولا أي معطيات توحي بإمكان رأب الصدع بين بعبدا والسرايا الامر الذي يثير تساؤلات عما ستكون عليه صورة الحكم في ما تبقى من ولاية الرئيس ميشال عون. والانكى ان صورة اللقاءات الوزارية التي صارت تعقد بكثافة اكثر من السابق في قصر بعبدا بموازاة الاجتماعات الوزارية التي تعقد في السرايا، بدأت تثير مسالة القطيعة بين الرئاستين من باب الصراع على ممارسة الصلاحيات، وليس من زاوية التنسيق الضروري، لئلا تتكرر ظواهر السقطات والاخطاء الناشئة عن استفحال الانقسام وعدم اتباع أصول التنسيق كما يجري تماما في ملف طرح تصورات وسيناريوهات لمسالة عودة النازحين السوريين التي يستأثر بها قصر بعبدا راهنا.
واما العامل الاخر الذي دفع ظاهرة الانقسامات السلطوية الى الواجهة مجددا، فكانت الاثارة المفاجئة للملف الحكومي على لسان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في خطبته العاشورائية، اذ طغت على الشق اللبناني من هذه الخطبة المسألة الحكومية، لان نصرالله تعمد ربط دعوته الى تاليف “حكومة حقيقية كاملة الصلاحيات” بالاستحقاق الرئاسي، وذهب بوضوح الى اعتبار تأليفها أمرا ضروريا من منطلق ان احتمالات انتخاب رئيس للجمهورية قد تكون موازية لاحتمالات الفراغ الرئاسي. اما في الملفات الأخرى الأساسية فكرر موقفه من مسالة الترسيم البحري واطلاق التهديدات نفسها في اتجاه إسرائيل في وقت كان يؤكد مجددا انه ينتظر الأجوبة التي ستبلغ الى الدولة اللبنانية من جانب الوسيط الأميركي في ملف المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية من دون ان يسميه طبعا.
دعوة أممية
وكان لافتا في هذا السياق، ان الأمم المتحدة طالبت الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، بأن يتجنب في خطاباته ما من شأنه أن يزيد من “تأجيج الموقف” في المنطقة. وخلال مؤتمر صحافي عقده المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، في المقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك، سأل صحافيون دوجاريك بشأن موقف الأمين العام أنطونيو غوتيريش، إزاء تحذيرات أطلقها نصرالله بشأن الخلاف بين بلاده وإسرائيل حول منطقة غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط، فأجاب “أعتقد أننا دائماً قلقون من هشاشة الوضع في تلك المنطقة، ونطلب أن يتجنب أي شخص الخطابات التي تزيد من تأجيج الموقف”.
وفي غضون ذلك لم تبرز بعد أي معطيات دقيقة حول تطورات ملف الترسيم البحري علما ان نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب زار امس رئيس المجلس نبيه بري وتردد انه اطلعه على بعض المعطيات التي توافرت له حول التحرك المكوكي للوسيط الأميركي.
بعبدا وعودة النازحين
وفي المقابل يبدو ان بعبدا تنوي تقديم ملف عودة النازحين السوريين الى واجهة الأولويات التي تضع يدها عليها بما يوحي ان ثمة توظيفا لقناة تواصل مع النظام السوري في هذا السياق. وقد رأس رئيس الجمهورية ميشال عون امس اجتماعاً اخر في قصر بعبدا، في حضور وزيري الخارجية والمغتربين والشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الاعمال عبد الله بو حبيب وهكتور حجار، المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم، الوزير السابق سليم جريصاتي خصص لاستكمال البحث في ملف عودة النازحين السوريين الى بلادهم، في ضوء الخطة التي وضعتها الحكومة لهذه الغاية. وذكر انه “تم خلال الاجتماع درس الملف من مختلف جوانبه لا سيما الاجراءات التي ستعتمد لتنفيذ خطة العودة على مراحل.” واوضح الوزير حجار انه تم في الاجتماع امس “درس الكثير من الاقتراحات، واتخاذ عدد من الخطوات والاجراءات وسيتم العمل بها عبر الوزارات المعنية والادارات، ويجب التشاور بها بشكل تصاعدي. وفي الوقت نفسه، سيكون هناك لقاء مع مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين لابلاغها بامور عدة تتعلق بالقوانين اللبنانية، وكيفية التنسيق والعمل المشترك معا، لانه في المرحلة الاخيرة كان هناك شعور وكأن العمل يحصل من دون تنسيق بل الاكتفاء بالتبليغ، علماً اننا الدولة المعنية والمستضيفة، ويجب التذكير بأصول التعاطي معنا في هذا المجال، وتحديداً بالملف الانساني واين سيكون التعاطي بالملف السياسي”.
جنبلاط و”الحزب”
على صعيد سياسي اخر ترك الحديث الذي ادلى به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ليل الاثنين ترددات وتفسيرات عدة اثارتها مواقفه المرنة حيال “حزب الله” الذي قيل ان جنبلاط سيلتقي مسؤولين رفيعين فيه في اليومين المقبلين في مقابل مواقف متمايزة بل ومنتقدة اطلقها جنبلاط للافرقاء في المعسكر المناهض لـ”حزب الله” الامر الذي اشاع انطباعات عن عملية إعادة تموضع جديدة يقوم بها رئيس التقدمي. ولعل اكثر ما اثار التساؤلات حول هذا الحديث الذي عده البعض بمثابة انعطافة لها دلالات قد تتمدد حتى الاستحقاق الرئاسي ان جنبلاط اتخذ موقفا حادا من مسالة المناداة بحياد لبنان الامر الذي شكل عمليا موقفا سلبيا من البطريرك الماروني، وجاء ليكمل موقف جنبلاط قبل ذلك من موضوع المطران موسى الحاج . وفي وقت تحدثت معلومات عن امكان عقد لقاء جنبلاط – حزب الله في الساعات الـ48 المقبلة، نقل عن مصادر معنية ان عناوين اللقاء تتركز بالدرجة الأولى على العودة إلى قاعدة تنظيم الخلاف التي اتفق عليها في مرحلة سابقة. ثم البحث بكل العناوين التي قد يلتقي حولها الفريقان، وبالتحديد الهموم المعيشية والحياتية، والبحث في ما يمكن اجراؤه من إصلاحات تساعد في لجم الانهيار. اما في العناوين السياسية فقالت المصادر انه ربما يحصل اتفاق على أمور وربما لا، ولهذا تتسم العلاقة بتنظيم الخلاف. أما موضوع الرئاسة فلم يتم بحثه سابقا واللقاء سيكون مفتوحا للنقاش . ويشار الى ان جنبلاط التقى امس في كليمنصو السفيرة الأميركية دوروثي شيا .