لم يكن بسام الشيخ حسين “الرجل المحترم الذي لم يقم بأي عمل غير أخلاقي طيلة حياته” كما عرّف عنه شقيقه أمس، إلا واحداً من اللبنانيين الذين نهبت مافيا المال والسلطة جنى أعمارهم وزرعت اليأس والبؤس في نفوسهم ليتحولوا بين عشية وضحاها إلى شعب عزيز أذلّته الزمرة الإجرامية الحاكمة وأمعنت في إذلاله وقهره وسلبه كل مقومات العيش بكرامة… وما موجة التضامن الجارفة التي أبداها الرأي العام مع عملية اقتحام الشيخ حسين فرع مصرفه في الحمراء للمطالبة بوديعته لكي يتمكن من تسديد تكاليف علاج والده في المستشفى، سوى جرس إنذار جدّي بأنّ المودعين باتوا يستحسنون فكرة السطو على البنوك لتحصيل ما يمكن تحصيله من أموالهم المسلوبة على قاعدة: ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة!
وبينما تتدهور أحوال الناس من سيئ إلى أسوأ، ولهيب “جهنّم” بات يحاصر حياتهم من كل حدب وصوب تحت سطوة حكم قوى 8 آذار، لا تزال هذه القوى تبحث عن سبل تمديد ولاية حكمها وسطوتها على البلد وأبنائه، وعينها شاخصة اليوم باتجاه الاستحقاق الرئاسي المقبل لضمان إبقاء قصر بعبدا في عهدتها ست سنوات إضافية بعد انقضاء العهد العوني. غير أنّ ما سمعه “حزب الله” أمس لا يشي بأنّ “طريق كليمنصو” ستكون معبّدة أمام محاولة إيصال رئيس جديد من 8 آذار إلى بعبدا، إذ كشفت مصادر مطلعة على أجواء اللقاء الذي عقد بين رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط والمعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” حسين خليل أنّ جنبلاط أكد بصريح العبارة لخليل أنه “يرفض انتخاب رئيس جمهورية ينتمي إلى فريق الثامن من آذار أو أي رئيس يشكل تحدّياً لهذا الفريق أو ذاك“.
ونقلت المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ لقاء كليمنصو سادته “أجواء بالغة الصراحة” فاستهله وفد “حزب الله” بالإعراب عن “الرغبة بفتح صفحة جديدة” بين الجانبين، فبادر جنبلاط إلى طرح “جملة أسئلة” واضعاً الإجابة عليها برسم قيادة “حزب الله” في الأيام المقبلة. ففي الملف الرئاسي سأل: “هل أنتم مستعدون للقبول بانتخاب رئيس جمهورية من خارج صفوف 8 آذار؟”، وفي ملف الترسيم توجّه إلى خليل بصراحة متسائلاً: “هل قضية التصعيد الحدودي أكبر من مسألة شد الحبال التفاوضية مع إسرائيل وهل لها أبعاد إيرانية وروسية في إطار الصراع مع الغرب؟” وأردف: “نحن لا نوافق على خيار الحرب لأنكم إذا دفعتم الأمور في هذا الاتجاه ستقضون على البلد وعلى آخر فرصة متاحة لإنقاذه واستنهاضه من خلال ثروته النفطية والغازية”. وكذلك في موضوع صندوق النقد الدولي طالب جنبلاط “حزب الله” بموقف واضح وصريح إزاء عملية التفاوض مع الصندوق، منبهاً “حزب الله” إلى أنّ الخلاص المالي والاقتصادي للبنان لن يكون إلا عبر صندوق النقد “أما إذا تركتم البلد ينهار فسينهار عليكم وعلى الجميع“.
وإذ حرص وفد “حزب الله” الذي ضم إلى خليل، مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، على عدم إعطاء أجوبة شافية ونهائية على أسئلة جنبلاط، نقلت المصادر أن الوفد اكتفى في الموضوع الرئاسي بتأكيد “الانفتاح على النقاش في كل الخيارات”، وأبدى في ما يتصل بصندوق النقد عدم وجود “اعتراض مبدئي” على المفاوضات معه لكنه شدد على الحاجة إلى “التمعن في درس العديد من التفاصيل”. أما في قضية الترسيم البحري مع إسرائيل، فكان جواب “حزب الله” قاطعاً: “ليس لدينا هوس الحرب لكن إذا تمادى الإسرائيلي وتخلت الدولة عن دورها فلن نبقى مكتوفي الأيدي” في إشارة إلى جدية الجهوزية لكافة السيناريوات بما فيها سيناريو “الحرب“.
في الغضون، استرعت الانتباه أمس المواقف التي أطلقها السفير البابوي جوزف سبيتيري أمام الرابطة المارونية، لمناسبة انتهاء مهامه في لبنان، فهو إذ طمأن المجتمعين إلى “اهتمام الكرسي الرسولي” بمصير وطن الأرز وأوضاعه، لفت في الوقت عينه إلى أنّ “الفاتيكان ما زال يراهن على رسالة لبنان التعددية كواحة لحوار الأديان”، لكنه حثّ في هذا المجال اللبنانيين أنفسهم على “إبتكار صيغة جديدة تنقذ نظامهم التعددي المميّز“.
سبيتيري الذي شدد على ضرورة “إتمام الانتخابات الرئاسية بحسب الأصول الدستورية”، أكد أنّ “الكرسي الرسولي على تواصل دائم مع كل الدول المعنية بالأزمة اللبنانية”، مشيراً في ما يتصل بموقف الفاتيكان من موضوع الحياد إلى أنّ “الحياد الناشط الذي طرحه البطريرك (الماروني بشارة) الراعي على طاولة البحث مع الدول المعنية، وقد تتغير التسمية لكن النتيجة واحدة“.