تأخر عودة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين إلى المنطقة لا يعني أن الأمور معقدة، وليس دليلاً على فشل المفاوضات. بل على العكس، ثمة مؤشرات كثيرة تدل على أن العدو بات في موقع المقر بمطالب لبنان، وكل التواصل القائم حالياً يركز على فكرة أساسية، وهي أن إسرائيل تريد ضمانة بتجميد حزب الله تهديده بضرب المنشآت في حال تعذر الاتفاق قبل منتصف أيلول. وصار مؤكداً لمطلعين في بيروت أن العدو بعث برسائل واضحة، عبر من يمكنه إيصالها إلى المقاومة، بأنه قبل بمطالب لبنان، ويحتاج إلى أسابيع قليلة لإنجاز اتفاق يرضي لبنان، وكل ما يريده الآن ضمانة من حزب الله بأن تهديد منتصف أيلول تعطل أو جمد. علماً أن الجميع ينتظر ما قد يعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه اليوم لمناسبة افتتاح معلم جنتا ضمن فعاليات احتفالات الحزب بمرور أربعين عاماً على انطلاقته.
المقاومة، من جانبها، تنظر بحذر شديد إلى كل ما يصل من جانب العدو، وهي ليست في وارد تقديم أي ضمانات قبل أن تتلقى الحكومة اللبنانية معطيات ونسخاً مكتوبة وواضحة وحاسمة حيال مطلبي الحقوق والترسيم وبدء الشركات العالمية العمل في كل الحقول اللبنانية.
وفي هذا السياق، كشف موقع «واللا» العبري أمس عن قرار بتوجه مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة الأسبوع المقبل، للبحث في موضوع الحدود البحرية مع لبنان. ويبدو أن إسرائيل أكثر استعجالاً لحل سريع بينما يهتم الجانب الأميركي بتداعيات الاتفاق على الوضع في لبنان حيث لا ترغب واشنطن بمنح حزب الله صورة نصر جديدة، وهذا الأمر قد يؤدي إلى لعبة مماطلة وتسويف ما يبقي احتمالات المواجهة العسكرية لا تزال قائمة بقوة.
وكان لافتاً أمس، أن قوات الاحتلال أرسلت طيرانها للقيام بطلعات فوق مناطق الجنوب، بعد وقت قصير من نقل موقع «واللا» كلاماً لوزير الحرب بني غانتس، وكلام آخر لمصادر رفيعة في المؤسسة الأمنية تضمن إشارة إلى تقدير بإمكان أن يلجأ حزب الله إلى «عمل إرهابي» ضد المنشآت الغازية الإسرائيلية، الأمر الذي يصعب تصوره إلا في حالة التسويف أو رفض الحق اللبناني أو المماطلة إلى حين فرض حقائق على الأرض، عبر بدء استخراج الغاز من كاريش.
لكن التحذير الإسرائيلي كما جاء، حمل في مضمونه تهديداً بأن أي مبادرة قد يقدم عليها حزب الله، سيتبعها رد إسرائيلي، وأن جيش العدو لن يتردد في الرد. أما غانتس فقد راكم على التهديد بما يمكن أن ينقل التموضع من الدفاع إلى الهجوم، إذ تحدث عما يشير إلى إمكان أن تبادر إسرائيل نفسها إلى الاعتداء «في حال تلقينا معلومات استخبارية مبكرة عن عملية يريد (حزب الله) شنها ضد إسرائيل».
بالتالي، عاد الجميع إلى السؤال المركزي: هل يشهد شهر أيلول المقبل، أو قبله وفقاً لتقديرات لا يمكن استبعادها، تصعيداً عسكرياً؟ أو تشهد المدة المتبقية اتفاقاً على تمكين لبنان من ثروته الغازية وحده البحري؟
إسرائيل تذعن وتطلب ضمانات
في ما يتعلق بالاتصالات الجارية بعيداً من الأضواء، علمت «الأخبار» أن العدو قبل بالمطالب اللبنانية لناحية تثبيت الخط 23 من جهة، وحق لبنان الكامل في حقل قانا من جهة ثانية. لكن ما هو أضافهم، يتعلق بأن العدو يريد الحصول على تفاهمات سريعة تشمل ضمانات بأن حزب الله لن يبادر إلى أعمال عسكرية ضد منشآته البحرية في حال تأخر الاتفاق لأسابيع إضافية. مع العلم أن الحكومة الإسرائيلية تتعرض لضغوط ذات طابع اقتصادي من الشركات العاملة في الحقول أو التي تريد استخراج الغاز لبيعه في أوروبا، وهذه الشركات تعتقد بأن على العدو إنجاز الترتيبات التي تسمح ببدء العمل في حقل كاريش كونه يحتوي على كميات تعد للتصدير فيما الكميات التي تنتج من الحقول الأخرى تحتاجها إسرائيل داخلياً.
عملياً تدرك حكومة العدو أن ما تطلبه الشركات العالمية، وما يحتاجه أمنها الاقتصادي، هو ضمان عدم حصول توتر وتعرض الاستقرار الأمني في المنطقة للخطر، لأنه سينسف كل الأعمال. ولذلك تبدو حكومة العدو مضطرة للتوصل إلى تفاهمات تؤمن لها عدم استهداف المقاومة للمنشآت أو الشركات العاملة في الحقول المقابلة لشواطئ فلسطين المحتلة. وتعطل عمليات التنقيب والاستخراج كما تعطل حركة الملاحة في البحر المتوسط. كما تبين من المعطيات الواردة من الخارج أن حكومة العدو تريد مساعدة أميركية وأوروبية وعربية في الحصول على ترتيبات واضحة تحول دون حصول أي عمل خلال شهر أيلول المقبل. وتردد أن بعض الشركات هددت بسحب كل سفنها أو المنشآت الموجودة والعاملين فيها ما لم تحصل على ضمانات أكيدة من حكومة العدو ومن حزب الله بعدم حصول المواجهة.
وبحسب المعطيات المتداولة، فإن العدو يدرس الموقف من زاوية نزع فتيل الانفجار. ولذلك بعث برسائل واضحة تقول بأن «إسرائيل مستعدة لوقف فوري وشامل لكل أعمال التنقيب والاستخراج في حقل كاريش وكل الحقول الأخرى مقابل إعلان حزب الله سحب تهديده بتوجيه ضربات خلال شهر أيلول». وتتمة الموقف الإسرائيلي تتصل بأن «أميركا تتعهد بالتوصل إلى اتفاق متكامل يشمل ترسيم الحدود وتحديد الحقوق الخاصة بالجانبين إضافة إلى توفير الضمانات الأكيدة بأن يبدأ العمل في جميع الحقول بشكل مواز بين لبنان وإسرائيل».
وبحسب المعطيات، فإن هذا التقدم في التفاوض غير المباشر، يستهدف في المرحلة الأولى تخفيف درجة التوتر في المنطقة، والتزام العدو بالخطوات التي تجعل حزب الله يدرس الموقف عله يعيد النظر في برنامج عمله الذي يشتمل على تهديد واضح بتوجيه ضربات قال الجيش الإسرائيلي لحكومته إنه لا يضمن منعها وإنه يتوقع أن تكون قاسية ومؤثرة بمعزل عن أي رد على حزب الله.