لا يعني شيئاً الانقطاع التام للكهرباء على الأراضي اللبنانية وزجّ اللبنانيين في غياهب العتمة الشاملة لولا اللجوء إلى مخزون “الفيول أويل” في الذوق والجية لتقطيع الوقت والمرحلة بعد نفاد خزين “الغاز أويل” في معمل الزهراني “الوحيد المتبقي على الشبكة” وإطفاء محركاته بانتظار أن يعاود العراق تزويد لبنان بالنفط… فهذا بالنسبة لأهل الحكم تفصيل سخيف أمام معركة الحصص الوزارية التي يخوضها العهد وتياره بشراسة مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لتحصين سطوة جبران باسيل الحكومية في مرحلة الشغور الرئاسي، وقد تحولت طبيعة الاشتباك من رئاسي – سياسي إلى ماروني – سنّي خلال الساعات الأخيرة بين قصر بعبدا والسراي الكبير ضمن إطار محاولة “تطييف” معركة التأليف لرفع منسوب الضغط العوني على ميقاتي ودفعه إلى رفع راية التشكيل البيضاء على الحلبة الحكومية.
فغداة اللقاء الرئاسي العقيم الرابع، باغت رئيس الجمهورية ميشال عون الرئيس المكلف بمواقف تأنيبية على لسان رئيس الرابطة المارونية خليل كرم، شدد فيها على “عدم جواز الاستمرار في تعطيل” الاستحقاق الحكومي في إشارة مبطنة إلى مسؤولية ميقاتي في التعطيل، مع التأكيد في المقابل على أنّ حكومة تصريف الأعمال القائمة “لن تكون قادرة على ممارسة مسؤولياتها في حال تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية”، وأنّ عون لو كان “يلتزم نصوص الدستور في ما خص موعد انتهاء ولايته، لكنه في الوقت نفسه لا يرى طبيعياً ان الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية غير المكتملة المواصفات وغير الحائزة على ثقة مجلس النواب، يمكنه أن يملأ فراغاً على مستوى رئاسة الدولة”.
وعلى الفور، استنفر الرئيس المكلف في مواجهة ما وصفها “المواقف الجاهزة التي تليت من منبر القصر الجمهوري” والتي رأى أنها “كشفت بما لا يقبل الشك الأسباب الحقيقية لتعطيل عملية تشكيل الحكومة، وما يتم التخطيط له من قبل بعض المحيطين بفخامة رئيس الجمهورية”، حسبما جاء في بيان مكتبه الإعلامي، مستغرباً في هذا السياق “استخدام منبر الرئاسة المفترض أن يكون فوق الاعتبارات الطائفية، لإطلاق مواقف تؤجج الأوضاع”.
وسرعان ما رد قصر بعبدا على ردّ السراي، مستغرباً اتهام ميقاتي عون بتسخير منبر الرئاسة الأولى واستخدامه من منطلق “اعتبارات طائفية”، ليعيد هذه التهمة إلى مطلقها بالإِشارة إلى أنّ “ردود الفعل الطائفية والمذهبية تصدر من مواقع رسمية أخرى”، مقابل التشديد على أنّ “رئاسة الجمهورية ما كانت يوماً لطرف لبناني دون الآخر (…) ومواقف الرئيس عون في مسألة تشكيل الحكومة تعكس هذا التوجه الداعي دائماً إلى تحقيق الشراكة الوطنية والمحافظة على الميثاقية”.
ومساءً، علّقت مصادر حكومية على السجال الرئاسي المتجدد بالقول لـ”نداء الوطن”: “المكتوب مبيّن من عنوانه”، وأوضحت أنّ “بصمات جبران باسيل دامغة في محاولة استثارة النعرات الطائفية في عملية التأليف من خلال البيان المكتوب الذي تلاه السفير كرم”، ونقلت في هذا السياق معلومات تفيد بأنّ “باسيل شخصياً كان من حضّر زيارة كرم إلى بعبدا وطلب من المستشار الرئاسي سليم جريصاتي إعداد صياغة مضامين البيان بالشكل الذي صدر فيه، خصوصاً وأنه تضمن العبارات نفسها التي دأب جريصاتي على استخدامها في الآونة الأخيرة في تصريحاته الإعلامية من قبيل عدم جواز مراكمة الفراغ على الفراغ”.
غير أنّ المصادر شددت على أنّ “الرئيس المكلف لن يمنح باسيل مبتغاه في تأجيج الخلاف الرئاسي، بل سيواصل جهوده وسعيه إلى تقريب وجهات النظر مع رئيس الجمهورية ومحاولة الدفع قدماً باتجاه التوصل إلى تفاهم مشترك بينهما حول صيغة تشكيلة حكومية توافقية جديدة في أقرب وقت ممكن”، معتبرةً أنّ ذلك كان جلياً في ردّ ميقاتي أمس والذي “حرص على أن يحصره بمسألة الإضاءة على محاذير إطلاق مواقف تؤجج الصراع الطائفي في عملية التأليف من على منبر رئاسة الجمهورية وما يخطط له بعض المحيطين بالرئيس عون في سبيل تحقيق هذا الهدف”.