اذا كانت الأنظار ستتجه من اليوم الى المسار الدستوري الذي سيتخذه الاستحقاق الرئاسي انطلاقا من ترقب توقيت توجيه رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة الأولى الى المجلس للانعقاد وانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، فان المواقف التي اطلقها بري، كرئيس للسلطة التشريعية او زعيم لحركة “امل” امس من صور في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر اتسمت بدلالات مهمة وبارزة في جملة اتجاهات وخصوصا في موضوع الاستحقاق الرئاسي. ويمكن القول ان بري بدا لاذعا حيال العهد الذي لم ينتخب سيده قبل ستة أعوام الا شهرين تماما اذ صوب عليه بمسمى “سلطة ما خلونا ” كما لم يوفر “التيار الوطني الحر” حاملا عليه بشدة في ملف الكهرباء كما كان له موقف منتقد بحدة لمطالبة العهد بتعيين ستة وزراء دولة في الحكومة الجديدة . كما اتخذ بري جانب الحزم في التصدي للاجتهادات المتلاعبة بالدستور عند أبواب نهاية العهد واتخذ موقفا حاسما من ضرورة الاحتكام الى الدستور والطائف . وذهب بري “الزعيم” الى المسار التوافقي في الخيار الرئاسي مؤثرا الانتخاب لشخصية تجمع ولا تقسم وتوحد ولا تفرق ومطلقا دعوة متجددة لاجتماع نيابي يحمي الاستحقاقات في مواعيدها.
ولعل المفارقة اللافتة التي واكبت خطاب بري كما واكبت بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد على رغم عدم وجود ارتباط مباشر اقله بين الاستحقاقين، والذي تطرق أيضا الى ملف ترسيم الحدود تمثلت في دخول البيت الابيض مباشرة على خط المواقف الايجابية المتصلة بترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، اذ اعلن مسؤول في البيت الأبيض انه “في حين أن المنسق الرئاسي الخاص آموس هوكشتاين لم يزر لبنان أو إسرائيل في الأسابيع الأخيرة ، إلا أنه يواصل مشاركته القوية لإنهاء مناقشات الحدود البحرية. ونواصل تضييق الفجوات بين الطرفين ونعتقد أن التسوية الدائمة ممكنة. نرحب بالروح التشاورية لكلا الطرفين للتوصل إلى حل”.
وأضاف “ان الديبلوماسية المكوكية هي ببساطة أحد مكونات العمل الدقيق الذي يقوم به الفريق الأميركي لحل هذا النزاع ، ويتواصل هوكشتاين يوميًا مع المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين – بما في ذلك نائب رئيس البرلمان اللبناني إلياس بو صعب”.
وقال : “يعتبر حل النزاع حول الحدود البحرية أولوية رئيسية لإدارة بايدن. نعتقد اعتقادا راسخا أن أي صفقة لديها القدرة على تعزيز الاستقرار الدائم والازدهار الاقتصادي لكلا البلدين”. وذكر ان السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا هي أيضا على تواصل مع رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء ومستشاريهما .
واكتسب الإعلان الأميركي دلالات مهمة اذ بدا بمثابة اطلالة مشجعة على الواقع اللبناني عموما وانما من بوابة إيلاء ملف الترسيم الذي تتولى واشنطن الوساطة فيه من خلال المستشار الاستراتيجي لشؤون الطاقة آيموس هوكشتاين أولوية . وثمة من رأى ان هذا التطور يعكس ضمنا احتواء استباقيا منعا لاي اتجاه تصعيدي بين إسرائيل و”حزب الله” عند بدايات أيلول .
تزامن صدور بيان البيت البيت مع تصويت مجلس الامن الدولي امس على التمديد سنة إضافية لقوة “اليونيفيل ” في جنوب لبنان الامر الذي نوه به رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وقال: “انها خطوة مشكورة ومن شأنها تعزيز الاستقرار الذي ينعم به جنوب لبنان بفضل التعاون الوثيق بين الجيش واليونيفيل. ونحن من جهتنا نشدد على اتخاذ كل الاجراءات التي من شأنها دعم مهمة اليونيفيل مجددين التزام لبنان الشرعية الدولية وقرارات الامم المتحدة”.
محاولة جديدة في بعبدا
وقبل اقل من ساعة ونصف الساعة من موعد القاء بري خطابه في مهرجان حاشد في صور جرت محاولة جديدة لاخراج مأزق تاليف الحكومة الجديدة من دوامة الانسداد ولكن من دون نتائج إيجابية . اذ التقى رئيس الجمهورية #ميشال عون، بعد الظهر في قصر بعبدا رئيس حكومة تصريف الأعمال الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وتركز البحث على موضوع تأليف الحكومة. ولدى دخول ميقاتي إلى مكتب عون مازح الصحافيين قائلا: “الرئيس نبيه بري في الجنوب اليوم، ما فينا نطلع المراسيم”. ولكن ميقاتي ما لبث ان غادر قصر بعبدا، من دون الإدلاء بتصريح. وأشارت معلومات الى أن لقاء بعبدا بين الرئيسين عون وميقاتي تخلله عرض للإتصالات من دون التوصل إلى تقارب في وجهات النظر . ومع ذلك لوحظ ان مدة اللقاء كانت أطول من اللقاءات السابقة بين عون وميقاتي في وقت تتصاعد التكهنات حول تقدم الجهود نحو التوافق على صيغة تعويم الحكومة الحالية.
خطاب برّي
اما بري فتطرق في خطابه الى ملف الترسيم البحري، وقال: “سبق أن أكدنا أننا بالمبدأ نعتبر أن كل متر مكعب من النفط والغاز مغتصباً ومحتلاً، لأنها حدود مع أهلنا الفلسطينيين. وفي انتظار ما يحمله الموفد الاميركي، سيادتنا وشرفنا سندافع عنهما بكل ما نملك …ونحن مستعدون للمفاوضات غير المباشرة لكن ليس إلى أجل غير مسمى. آموس هوكشتاين طلب مهلة أسبوعين للحصول على رد على الاقتراح اللبناني، وها هي المدة أصبحت شهراً من دون رد. الكرة الآن في الملعب الأميركي ولسنا هواة حرب، لكن إذا ما هددت سيادتنا قسندافع عن حقوقنا التي تمثل شرفنا”.
واعتبر بري “أن لبنان يمر بأسوأ مرحلة عرفها في تاريخه وأخطرها، والبعض يقاربها بأسوأ عقلية كيدا ونكدا وانفصالا عن الواقع”.
وتناول ملف الكهرباء حيث “التغذية “صفر كهرباء”، سائلاً: “هذه السلطة المختبئة خلف حجة “ما خلونا”: هل يعقل أن يحرم لبنان الغاز المصري والأردني لعدم تشكيل هيئة ناظمة في وزارة الطاقة، وهي التي استنزفت ثلث مالية الدولة وتكون الحجة “انو غيرو القانون بدل ما يطبقوه؟”.
وفي الشأن المتصل بالاستحقاق الرئاسي اعتبر رئيس المجلس “ان ما هو ليس مشروعاً على أن يعمد البعض على تصوير الأمر لدى اللبنانيين بأن نهاية الفترة الدستورية لأي سلطة هي نهاية للبنان ووضعه على شفير خطر وجودي في حين أن الطبيعي هو أن تكون الإستحقاقات محطة أمل للبنان يعكس من خلالها الجميع الحيوية السياسية لإعادة إنتاج سلطاته وتطويرها بما يتلاءم مع التحديات ، وان ما ليس مشروعاً على الإطلاق الإستسلام لبعض الإرادات الخبيثة التي تعمل بجهد حثيث ومضنٍ لإسقاط البلد ومؤسساته في دوامة الفراغ.”
وأشار الى “أننا دخلنا اليوم الأول من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. أشجع على عقد لقاء عام يؤدي إلى اتفاق على الاستحقاقات المقبلة”.وقال ان “العبث بالدستور والتمرد عليه تلبية لمطامح مرشحين غير مسموح، والاستسلام للإرادات الخبيثة التي تسعى الى إسقاط البلد في الفراغ ليس مشروعا. الطائف أو الدستور، وجد ليطبق وهو أقصر الطرق التي تجنب الوطن والمواطن المخاطر”.
واعلن ” من موقعنا كسياديين “وما حدا يزايد علينا بالسيادة ويصنف الناس بين سيادي وليس سيادي” وكلبنانيين منذ كنا وكان لبنان سنقترع للشخصية المؤمنة بوحدة لبنان وعروبته التي يجتمع عندها كل اللبنانيين. سنقترع للشخصية التي تجمع ولا تطرح ولا تقسم وللشخصية التي توحد ولا تفرق. وللشخصية التي بقدر ما تحتاج الى حيثية مسيحية هي أيضاً تحتاج الى حيثية إسلامية وقبل هذه وتلك الحيثية الوطنية. سنقترع للشخصية المؤمنة بالثوابث الوطنية والقومية القادرة على مجابهة التحدي لا أن تكون هي التحدي لإرادة اللبنانيين. سنقترع ونعمل من أجل انتخاب شخصية تعتقد اعتقاداً راسخاً أن إسرائيل الرابضة على حدود وطننا في الجنوب ككيان وكمشروع عدواني تمثل تهديداً وجودياً للبنان وهي النقيض لدوره ورسالته في المنطقة” .
وفي سياق ذكرى تغييب الامام الصدر برز موقفان لافتان امس . اذ إستذكر الرئيس عون الإمام موسى الصدر، وقال عبر “تويتر” إنه “لا يزال حاضراً بيننا بفكره وبإيمانه بلبنان وطن العيش المشترك، وبسعيه من أجل وحدة العائلة اللبنانية” وأضاف “فيما يفتقد اللبنانيون هذه القامة الوطنية والروحية في هذه الظروف الصعبة، تبقى مواقفه مصدر إلهام للعمل من أجل خلاص لبنان وشعبه”.
من جانبه، غرد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عبر تويتر كاتبا “أحد أهداف تغييب الإمام موسى الصدر هو تغييب الشيعية اللبنانية الكيانية التي تشاركت مع الجماعات الأخرى بتأسيس الميثاقية اللبنانية”. واضاف “في هذه الذكرى الأليمة لتغييبه الـ44 نفتقد إلى دوره في إعادة الاعتبار للجمهورية اللبنانية والدولة اللبنانية ومعنى لبنان”.