فيما ملف ترسيم الحدود البحرية يطوف على الاحداثيات الاسرائيلية التي يحضّر لبنان ردّه عليها لتسليمه الى الوسيط الاميركي، بَدا من المواقف امس انّ الحراك تجدد في شأن التأليف الحكومي ولكنه حراك قد يفشل كما فشل في مراحل سابقة لأنّ مواقف المعنيين ما تزال متباعدة، فرئيس الجمهورية ما زال ينادي بتشكيل «حكومة جديدة او تدعيم الحكومة الحالية بستة وزراء دولة من السياسيين». الأمر الذي يرفضه الرئيس المكلف ويؤكد سعيه إلى تأليف حكومة جديدة بعيداً من وضع الشروط والعراقيل بغية تحقيق «مكاسب سياسية لا يمكنه القبول بها».
وفي هذه الأثناء ينعقد مجلس النواب اليوم في جلسة تمتد لثلاثة أيام يناقش فيها مشروع قانون موازنة الدولة للعام ٢٠٢٢ ويقرّه. وتوقعت مصادر نيابية ان تعكس مداخلات النواب خلال الجلسة حقيقة المناخ السائد حول الاستحقاقين الحكومي والرئاسي مروراً بملف ترسيم الحدود البحرية وتعويل لبنان على ثروته النفطية والغازية للخروج من ازمته الاقتصادية والمالية ما يرافقها من انهيار في الاوضاع المعيشية نتيجة الارتفاع المضطرد في سعر الدولار الاميركي على حساب قيمة العملة الوطنية، وهو شهد امس ارتفاعاً اضافياً تخطى عتبة الـ36 الف ليرة ما انعكس مزيداً من الغلاء في الاسعار على كل المستويات الحياتية والاقتصادية.
نقل زوار رئيس الجمهورية ميشال عون لـ«الجمهورية» عنه استغرابه كيف أن الرئيس نجيب ميقاتي «يمضي وقتاً منذ تكليفه تارة في سردينيا وطوراً على يخته، وها هو يستعد للمشاركة في جنازة الملكة اليزابيت في لندن وبعدها سيتوجه الى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة»، متسائلا: «هل هكذا تتشكّل حكومة جديدة؟».
ولفت عون الى انه كان يُفترض به كرئيس للجمهورية ان يتوجّه هو الى الأمم المتحدة لتمثيل لبنان، لكنه امتنع عن الذهاب لتوفير الكلفة المادية التي ستترتب على هذه الرحلة تحسّساً منه بالوضع المالي الصعب الذي تمر به الخزينة».
في المقابل قالت مصادر مطلعة على موقف رئيس الحكومة لـ«الجمهورية» انّ زياراته الخارجية، ومنها زيارته للامم المتحدة في نيوورك، تندرج في اطار تأكيد بقاء لبنان حاضرا في كل المحافل الدولية ولا يجور السماح لأحد بتغييب لبنان عن هذه المحافل مهما كلف الامر، وان هذه الزيارات ليست تهرّباً من تأليف الحكومة ابداً لأنّ تأليفها بات متوقفاً على موقف رئيس الجمهورية».
واضافت المصادر: «لقد قدّم الرئيس المكلف لرئيس الجمهورية تشكيلة الحكومة الحالية وتمنى عليه تسمية وزيرين بديلين لوزيري الاقتصاد والمهجرين على ان يتاوفق على وزير الاقتصاد الذي هو من حصة الطائفة السنية مع نواب عكار، وان يسمّي وزيراً درزياً للمهجرين لا يكون على خصومة مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، وحتى الآن لم يبادر الى تسميتهما». واشارت الى «انّ الرسائل التي يوجهها الرئيس عون في العلن تأتي حادّة في حين ان ما ينقله الاصدقاء المشتركون بينه وبين الرئيس يحمل ميقاتي كثيرا من الود».
وكان عون قد أكد امام وفد من الهيئات الاقتصادية أمس تأييده «الجهود والحلول المنطقية لمعالجة الازمة الاقتصادية الراهنة»، معرباً عن امله في «ان ينقل إنجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية واستخراج الغاز من المياه الإقليمية البلاد الى مرحلة من الامل الواعد بالمستقبل». وشدد على «ضرورة بذل كل جهد لتشكيل حكومة جديدة او تدعيم الحكومة القائمة بستة وزراء دولة جدد من السياسيين، الامر الذي طرحه رئيس مجلس الوزراء المكلف في البداية، ثم تبدّل الموقف»، مؤكدا «ضرورة ان يكون النظام منتجاً ولا يسمح بالاهمال وعدم الكفاية لمعالجة الخلل القائم على المستويات كافة».
وفي المقابل اكد ميقاتي، خلال رعايته في السرايا الحكومية أمس إطلاق «خطة عمل السياسة الوطنية للشباب 2022-2024»، استمراره في كل «الجهود الرامية الى تشكيل الحكومة الجديدة ، وأن المطلوب في المقابل مواكبة من جميع المعنيين لهذه الجهود، وعدم الاستمرار في وضع الشروط والعراقيل، في محاولة واضحة لتحقيق مكاسب سياسية ليس اوانها ولا يمكن القبول بها». وقال: «فلنتعاون جميعاً لحل الملف الحكومي بما يساعد في إرساء المزيد من الاستقرار السياسي وتجنّب سجالات عقيمة لا فائدة منها، خصوصا ان الدستور واضح في كل الملفات، ولا مكان للاجتهاد في معرض النص».
وشدد على ان الحكومة «تواصل العمل بكل جدّ ومثابرة لمعالجة ما أمكن من مشكلات طارئة ومزمنة بالتوازي مع استكمال الخطوات الاساسية لخطة تَعاف متكاملة بدأنا بها مع صندوق النقد الدولي». وقال انّ جلسات مناقشة الموازنة العامة التي ستبدأ اليوم في مجلس النواب تمثّل دعامة اساسية من دعائم النهوض والحل، ونأمل ان تجري مناقشتها بروح التعاون الايجابي بين الجميع بعيداً عن الانتقاد السلبي او المزايدات، لأننا لا نملك ترف الوقت او السجال في ظل هذا الكم الهائل من المشكلات».
جلسة بنصاب الحضور
من جهة ثانية، وعشية انطلاق الجلسات النيابية لمناقشة قانون الموازنة العامة لسنة 2022 التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لثلاثة ايام متتالية ابتداء من اليوم في ساحة النجمة، اعلنت كتَل نواب حزب الكتائب اللبنانية و«الجمهورية القوية» و«تجدد» عن مقاطعتها لجلستي اليوم الأول بسبب مصادفتها الذكرى الاربعين لاغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميّل بهدف المشاركة في الاحتفالات المقررة لهذه المناسبة.
جعجع يجرّ باسيل
وأكد مصدر نيابي رفيع لـ«الجمهورية» انّ الجلسة قائمة بنصاب الحضور وليس بميثاقيته خصوصاً انها ستتضمن خطابات وعراضات تحتاج الى ساعات قبل البدء بالتشريع والتصويت، فالمسجّلين على لائحة الكلام هم بالعشرات ومن سيحضر ينتظر الهواء المباشر ولن يتردد.
واستغرب المصدر موقف تكتل «لبنان القوي» بمقاطعة جلسة اليوم لمصادفتها ذكرى استشهاد الرئيس بشير الجميّل، خصوصا انها أتت بعد قرار «القوات اللبنانية» بعدم الحضور اليوم، ما يعني انها إمّا مزايدة، وإمّا خجلاً في الحسابات المسيحية».
واضاف المصدر: وحدهم نواب الكتائب تصرّفوا بعيداً عن هذه المزايدات ووفق الاصول عندما بادروا الى الاتصال بالأمين العام للمجلس النيابي عدنان الضاهر يوم الجمعة الفائت طالبين منه «تأجيل موعد الجلسة لمصادفتها مع احياء ذكرى اغتيال البشير»، فأبلغ الضاهر الطلب الى الرئيس نبيه بري الذي بادرَ الى الاتصال برئيس حزب الكتائب سامي الجميّل واكد له انه لم يلتفت الى توقيت الذكرى خصوصاً انها ليست عطلة رسمية، وانه حدّد الموعد بعد التواصل والاتفاق مع رئيس الحكومة. وسأله: متى ستقيمون الذكرى؟ فأجاب الجميل: «عند السادسة مساء» فقال له بري: سأرفع الجلسة عند الثالثة، وألغي الجلسة المسائية». فثمّنَ الجميّل هذا الموقف لبري وشكره على تجاوبه.
الترسيم البحري
وعلى صعيد ملف ترسيم الحدود البحرية كشفت مصادر معنية بهذا الملف لـ«الجمهورية» ان الاحداثيات التي تسلّمها لبنان من الوسيط الاميركي بما خَص المنطقة التي يتم البحث حولها اصبحت في عهدة الفريق التقني في الجيش اللبناني الذي يَعكف على درسها، وان الرؤساء الثلاثة ينتظرون التقرير الذي سيرفعه الجيش لتحديد الموقف النهائي في شأنه».
وقالت هذه المصادر: «ليس شرطاً ان نقبل بكل النقاط الموجودة فيمكن ان نقبل بشيء ونرفض امراً آخر وفقاً لمصلحة لبنان العليا، لكن المهم ان يصبح واضحا لدى الجميع ان المنطقة التي يتم البحث فيها هي منطقة محصورة بمساحة لا تتعدى الـ4 كيلومترات غير موصولة بالبر ولا علاقة لها بنقطة الـb1 ولا تؤثر على الترسيم البري بأي شكل من الاشكال، والقول انّ هذه النقطة في خطر او الترسيم البري في خطر هو كلام للمزايدة ليس إلاّ وعدم دراية بحقيقة الطرح الذي حمله هوكشتاين الى بيروت».
واكدت المصادر «ان الرد اللبناني يتحدد بعد ان يتّفق الرؤساء على الموقف النهائي منه ونعمل على انجازه في أسرع وقت ممكن».
وقالت مصادر أخرى لـ«الجمهورية» انّ التصور اللبناني النهائي سيشكل رداً على الطرح الأخير الذي حمله هوكشتاين الى بيروت بُغية تسليمه مجدداً الى الجانب الاسرائيلي تمهيدا للبحث في المرحلة المقبلة وما يمكن ان تقود اليه المواقف النهائية للطرفين.
وكانت التطورات في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وخصوصاً الاحداثيات الخاصة بالطفافات الإسرائيلية التي سلّمها هوكشتاين للبنان، قد حضرت في قصري بعبدا وعين التينة، ولهذه الغاية التقى عون نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب. فيما التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب.
وفيما قال بوصعب بعد لقائه عون «انّ الاتصالات مستمرة مع الوسيط هوكشتاين لمتابعة المداولات التي تمت معه خلال زيارته الأسبوع الماضي الى بيروت، والاجتماعات التي عقدها مع اركان الدولة»، التزم بوحبيب الصمت بعد لقائه بري ولم يُدل بأي تصريح.
الموقف الاسرائيلي
وعلى صعيد الموقف الاسرائيلي من مفاوضات الترسيم قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس خلال مؤتمر في الأمم المتحدة في حضور سفير إسرائيل جلعاد إردان: «في نهاية اليوم، ستقف حفّارتان على الجانبين الإسرائيلي واللبناني، والسؤال هو هل سنطلب في المنتصف الدفاع عن أنفسنا وعن سيادة إسرائيل عن طريق القوة العسكرية».
واضاف أن «إقامة الحفارة في الجانب اللبناني من مصلحة لبنان، الذي لا يحصل سكانه على التيار الكهربائي المنتظِم ويعانون أزمة اقتصادية عميقة»، داعياً «مجلس الأمن إلى إدانة أي انتهاك لسيادة إسرائيل». وشدد على أنه «يجب دفع المفاوضات قُدماً، وبالتالي تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة، ومنع التصعيد الذي سيضرّ قبل كل شيء بمواطني لبنان والدولة اللبنانية، ويعيدنا إلى نفس النقطة».
والى ذلك، أكد رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الميجر جنرال أهارون حاليڤا في «المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب»، أن «حزب الله» تنظيم اختطَف دولة لبنان، وأنا مقتنع ان لبنان كان سينضمّ الى اتفاقات ابراهيم لولا وجود «حزب الله».
وقال: «حددنا امكانية حدوث تصعيد على الساحة الشمالية نتيجة عدم التوصل الى اتفاق في شأن الحدود البحرية، وأنا أذكّر الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله بمدى القوة العسكرية الاسرائيلية وأنا متأكد انه لا يريد تجربتها. نصرالله يعرف اكثر من اي شخص آخر الاستخبارات الاسرائيلية وقوة النيران الاسرائيلية».
واضاف: «لست في حاجة الى تمرير رسائل للشعب اللبناني، فهو يريد كهرباء ولكنها تنقطع عنه، الشعب اللبناني يشهد العملة اللبنانية تنهار»، معتبراً ان «لبنان كبقية الدول التي تمولها إيران مثل العراق واليمن وسوريا موجودة في ذيل قائمة الدول في كل المؤشرات الدولية».
الاستحقاق الرئاسي
الى ذلك، اعتبرت اوساط سياسية انّ حركة كتلة النواب التغييريين في اتجاه الكتل النيابية لتسويق مبادرتهم الرئاسية «لا تجدي فعلياً الّا في تقطيع الوقت الى حين اختمار التقاطع الداخلي – الخارجي المطلوب لانتخاب الرئيس الجديد».
وكانت كتلة «التنمية والتحرير» النيابية، مُمثّلة بعدد من اعضائها، قد التقت وفداً من نواب «قوى التغيير». وقالت النائب بولا يعقوبيان باسم الوفد: «علينا الا نستسلم لفكرة الفراغ او الشغور او لفكرة أن هذا البلد لا يستطيع ان ينتخب رئيساً صناعة لبنانية. لذلك نحن هنا اليوم، وسوف نستكمل اجتماعاتنا طيلة هذا النهار، ونختتم جولاتنا يوم السبت. هي لقاءات نحاول فيها استمزاج آراء مختلف الكتل ونرى مدى استعدادهم لانتخاب رئيس من خارج الاصطفافات السياسية، لأنه كما هو معروف ما من أحد لديه 86 نائباً، أي الاكثرية المطلوبة لتأمين النصاب وانتخاب رئيس من الجولة الاولى».
بدوره، قال عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي حسن خليل: «رحَبنا بإيجابية عالية وبخطوة الزملاء وعرض برنامجهم حول الانتخابات الرئاسية، وكالعادة أكدنا انفتاحنا على كافة القوى والمكونات السياسية في المجلس وفي البلد. كنّا حريصين على الاستماع بكثير من الاهتمام والانتباه الى وجهة نظر الزملاء حول الاستحقاق الرئاسي». أضاف: «نحن مع أن تحصل الانتخابات الرئاسية في مواعيدها الدستورية، والرئيس بري كان واضحا عندما اكد على هذا الامر في خطاب 31 آب وقدّم مواصفات الرئيس الذي نطمح اليه وأوّلها ان يكون متوافقاً عليه بين مختلف القوى».
وعن موعد دعوة بري الى جلسة الانتخاب، قال خليل: «موضوع تحديد الموعد منوط برئيس المجلس لكن بمعرفتنا هو يحترم الاصول، وبالتأكيد سيدعو الى جلسة قبل انتهاء المهلة الدستورية، ويمكن لجلسات اذا اقتضى الامر».
الى نيويورك أم لا؟!
على صعيد آخر كشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» ان رئيس الجمهورية لم يحسم بعد أمر ترؤسه وفد لبنان الى اجتماعات الجمعية العمومية الدورية السنوية للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري، فهو ما زال يبحث في امكان القيام بهذه الزيارة الاخيرة له قبل نهاية عهده من عدمها.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان البعثة اللبنانية السبّاقة بدأت اتصالاتها في نيويورك حيث التحضيرات جارية لاجتماعات الجمعية العمومية لهذا العام، تواكبها اتصالات من بيروت لترتيب بعض المواعيد الضرورية ليُبنى على الشيء مقتضاه.