كتبت صحيفة ” الجمهورية ” : تقول فيما عاد ملف تأليف الحكومة الى المربّع الاول من التعقيد مُبدداً كل الايجابيات التي احاطت به في الايام الاخيرة وأوحَت ان الحكومة الجديدة اوشكت الولادة، بادر رئيس مجلس النواب نبيه بري امس مع سابق «إصرار وترصد» الى دعوة المجلس الى جلسة غداً لانتخاب رئيس جمهورية جديد، اولاً لإصرارٍ لديه على انتخاب هذا الرئيس في موعده الدستوري، وثانياً لترصده ما يصدر من دعوات تستعجل هذا الانتخاب وكذلك ما يجري من حراك واتصالات ومشاورات في مختلف الاتجاهات استعداداً لهذا الاستحقاق الدستوري رغم انها لم ترس على بر معيّن بعد.
وقد فاجأت دعوة بري هذه جميع الاوساط المهتمة والسياسية، خصوصا انها جاءت في ظل المعطيات التي تتحدث عن ان تأليف الحكومة الجديدة سيحصل بين هذا الاسبوع والاسبوع المقبل، وكذلك جاءت في ظل توقعات بِتبلور الرد الاسرائيلي على مطالب لبنان في اطار ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية خلال هذا الاسبوع ايضا عبر حضور الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين شخصياً او بواسطة السفيرة الاميركية دوروثي شيا التي زارت رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي أمس.
جلسة انتخاب بلا رئيس
دشّن رئيس مجلس النواب نبيه بري الاستحقاق الرئاسي بدعوة المجلس الى عقد اول جلسة انتخاب غداً. وكشف مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية» ان «هذه الدعوة تحرك الانتخابات وتدفع في اتجاه ضرورة إنجازها، كما انها تضع القوى السياسية امام الحقيقة من خلال ممارسة واجباتهم الدستورية تجاه هذا الاستحقاق».
ورأى المصدر «انّ النواب سيلتزمون قرارات مرجعياتهم وكتلهم وسيذهبون الى خيارات مفتوحة في مقدّمها سلاح المقاطعة الذي هو حق ديموقراطي لهم في غياب التوافق او التفاهمات». واضاف: «صحيح انّ عملية استكشاف الرئيس الجديد لم تصل حتى الى مرحلة التنقيب عنه، الا ان هذه الدعوة ستشغل المحركات وتجعل البحث يتجاوز التوصيف والانتظار».
ولدى سؤال المصدر اذا ادت هذه الدعوة الى «تَزميط» رئيس «بين المزح والجد»؟ أجاب: «كبّرو عقلكن من يملك نصاب الـ٨٦ في هذا المجلس؟؟؟ بالتأكيد لا يوجد في هذه التركيبة».
الى ذلك قالت اوساط مطلعة لـ«الجمهورية» ان بري «باغتَ الكتل النيابية بتحديد موعد أولى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بعد 48 ساعة فقط من تاريخ توجيهها». واعتبرت «ان الدعوة التي وجّهها بري على هذا النحو هي رد على بعض الإشارات من جانب جهات مسيحية بأنه تأخّر في تحديد موعد الجلسة».
واكدت هذه الاوساط «ان انتخاب الرئيس لن يتم غداً لأنّ التوافق لم يتم بعد على اسم محدد، اما التأجيل فيمكن ان يحصل عبر اكثر من سيناريو وهذا ما سيتضح غداً».
ونقلت الاوساط المطلعة عن مرجع سياسي تأكيده ان الحكومة «ماشية» على الارجح، وان الرئيس نجيب ميقاتي ينتظر اتصالاً في هذا الصدد من الرئيس ميشال عون.
مشاورات واجتماعات
وعشية جلسة الانتخاب الرئاسي توسّعت رقعة المشاورات على اكثر من مستوى لاستكشاف المرامي التي قصدها بري في توقيتها قبل شكلها والمضمون وتحديد سبل التصرف إزائها. وقالت مصادر نيابية لـ«الجمهورية» إن «ما فرضَ هذه الأجواء هو عدم وجود أحد من المرشحين المعلنين او المستورين قد ترشّح سابقاً لرئاسة الجمهورية وان المشاورات لم تنته بعد الى اي قرار لدى الكتل النيابية المختلفة».
ولفتت المصادر الى ان الكتل النيابية باشرت استشاراتها الداخلية، فيما لم يرصد اي اتصال بين اي كتلة وأخرى بعد. وترددت معلومات عن اجتماع لـ«نواب التغيير» عُقد ليل أمس في منزل احدهم، وان مجموعة اخرى من النواب المستقلين التقت في منزل النائب نبيل بدر في انتظار اجتماعات لكتلة نواب حزب الكتائب والمكتب السياسي للحزب وكتلة حزب «القوات اللبنانية» التي باشرت مشاوراتها الداخلية منذ بعد ظهر أمس، ويتوقّع ان يكون لها بيان من هذه الخطوة.
التأليف يتعثّر
لكن بَدا من الاتصالات امس ان التأليف الحكومي عاد الى دائرة التعثر. وفي هذا السياق كشف مرجع كبير لـ«الجمهورية» ان «ملف تأليف الحكومة عاد الى المربّع الاول، وقال انه بعدما كان ميقاتي قبَيل سفره قد اتفق مع رئيس الجمهورية ميشال عون على اعلان الحكومة فور عودته، اذ به يفاجأ بعد عودته بأنّ الوضع يتغير، وان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تدخل لدى رئيس الجمهورية طارحاً تغيير وزرائه جميعاً في الحكومة وتعيين وزراء سياسيين بدلاً منهم او توسيع الحكومة بتعيين 6 وزراء دولة من السياسيين لتصبح حكومة من 30 وزيراً، الأمر الذي رفضه ميقاتي، وأبلغ الى المعنيين انه بات غير مستعجل على تأليف الحكومة طالما انّ الامور وصلت الى هذا المستوى من الطروحات والنقاش.
وفي المعلومات انّ «حزب الله» أيّد ميقاتي في هذا الموقف، خصوصاً انه كان على علم بالاتفاق الذي كان قد حصل بينه وبين عون قبل سفره.
التفاهم حول الاسماء
وفي المقابل قالت مصادر تواكب الاتصالات لـ«الجمهورية» ان ميقاتي ينتظر انتهاء التفاوض والاخذ والرد حول الاسماء المقترحة من جهته ومن جهة رئيس الجمهورية، والذي يقوم به المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بين الطرفين قبل ان يتوجّه الى القصر الجمهوري ويجتمع مع عون للبحث في المسودة الاخيرة.
وقالت مصادر متابعة لـ«الجمهورية» انّ «الاجواء لا تزال جيدة على رغم عودة باسيل الى لعبة إثقال الحكومة بمطالب قديمة جديدة لا يستطيع ميقاتي الالتزام بها. واستبعدت ان تؤدي هذه المطالب الى فرملة الحكومة او فشل التأليف انما ستجعلها تأخذ وقتا اضافيا تماما كما يحصل دائما في المخاض الاخير. واشارت الى «ان البحث لا يزال يتراوح بين تغيير 4 حقائب او 2 وفق عملية التوازن ولعبة الحصص».
رواية أُخرى
وفي رواية أخرى ان كل الرهانات التي قالت باستئناف البحث بين عون وميقاتي في ملف تشكيل الحكومة بعد عودته من لندن ونيويورك سقطت أمس، إذ غاب الاخير عن زيارة القصر الجمهوري واستُعيض عنها بزيارة الموفدين الذين جالوا بين السرايا وبعبدا وعين التينة في محاولة لمعالجة ما سمّي «المعطيات الجديدة التي دخلت على خط التأليف».
وفي معلومات «الجمهورية» انّ الاتصالات أشركت بري في حركة الاتصالات التي يجريها اللواء ابراهيم الذي جالَ بين السرايا وبعبدا في حركة مكوكية، في موازاة الحركة التي قادها المعاون السياسي للامين العام لـ«حزب الله» حسين خليل الذي جال بين السرايا وعين التينة تزامناً مع وجود باسيل على خطوط التواصل.
مراسيم وتعيينات
الى ذلك كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» انّ ما طرأ على حركة المشاورات لم يكن في الحسبان قبل مغادرة ميقاتي في جولته الخارجية، وان البحث توسّع الى ما لا يبقيها محصورة بأسماء الوزراء أيّاً كان شكل التغييرات المقترحة على التشكيلة الحكومية الحالية والذي تراوحَ بين تغيير وزيرين على الأقل وأربعة على الأكثر، فإن الجديد تناول ما يمكن اعتباره مصير بعض المراسيم الادارية المنتظرة منذ فترة ومنها تلك المتصلة بالتعيينات في الجامعة اللبنانية والقضاء، وتحديدا على مستوى إصدار المرسوم الخاص بالهيئة العليا لمحكمة التمييز التي تجمّدت التحضيرات في شأنها عند شروط وزير المال يوسف الخليل الذي رفض توقيع المرسوم الخاص بها، وهو ما دفع وزير العدل الى استرجاعه باقتراحات لا يمكن ان يقبل بها مجلس القضاء الاعلى الذي فشل في اجتماعه امس في تعيين القاضي سمرندا نصّار محققاً عدلياً رديفاً للمحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وهو ما دفع برئيس المجلس القاضي سهيل عبود الى عدم فتح محضر بالاجتماع نتيجة التصلب في المواقف حتى اللحظات التي سبقته رفضاً لاقتراح وزير العدل هنري خوري، والتي لجأ اليها بعد تعطيل مسار المرسوم السالف الذكر الذي قاد اليه تصرّف وزير المال.
وبناء على ما تقدم، قالت المصادر ان الاتصالات الجارية دفعت الى تأجيل اللقاء بين عون وميقاتي مع التأكيد انّ ما بلغته الاتصالات قبل سفر الثاني ما زالت عند ما تم التوصّل اليه، ولم تؤكد وجود اي فكرة لتوسيع التغييرات المقترحة على الحقائب ووزرائها بما يُطاول نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي على الاقل، قبل ان يتسرّب ليلاً احتمال ان تكون مطالب باسيل ابعد من ذلك لتشمل التغييرات 6 وزراء او 7.
جواب هوكشتاين
من جهة ثانية، وعلى صعيد ملف ترسيم الحود البحرية الجنوبية في هذه الاجواء كشفت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الجواب المنتظر من الوسيط هوكشتاين في شأن مصير الاقتراحات اللبنانية والاسرائيلية الاخيرة، التي تبودلت في اروقة الامم المتحدة وما بين بيروت وواشنطن ومنها الى تل ابيب، سيصل الى بيروت في الساعات المقبلة.
وقال أحد الناشطين على خط الاتصالات انّ اوراق هوكشتاين، وإن لم تصل بين اليوم او غداً، فإنّ بعد غد الجمعة هو الموعد الأخير الذي وعد به الوسيط الاميركي لتكون النسخة الاخيرة المنقحة بين أيدي اللبنانيين.