كتبت صحيفة “النهار” تقول:
هل تراها ستكون “الجلسة الاولى” في مسار مستنسخ عن ذاك الذي سبق انتخاب الرئيس الحالي العماد ميشال عون والذي استهلك من عمر الانتظام الدستوري والعافية الوطنية سنتين ونصف السنة من فراغ رئاسي قبل الانتخاب ، ام تكون “مفاجأة العصر الانهياري” عند مشارف نهاية هذا العهد في انتخاب رئيس من حيث لم يحسب ولم يقدر احد ؟ اليوم الخميس 29 أيلول 2022 سيسجل في تاريخ الاستحقاق الرئاسي الذي يفترض ان يقود الى انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية انه شهد الجلسة الأولى والمحاولة الأولى لاخراج جمل الاستحقاق من خرم ابرة التعقيدات والانقسامات العمودية والافقية التي تطبع واقع برلمان 2022 تماما كصورة عاكسة لبلد ممزق متهالك متهاو تحت وطأة أسوأ انهيار شهده في تاريخ تكوينه . هذا الواقع يفترض نظريا ومبدئيا ان “يحرض” النواب والمؤسسة الاشتراعية لا ان يحضهم فقط على الانعقاد المتواصل وعدم تفويت أي وقت متاح من ضمن المهلة الدستورية المتبقي منها شهر ويوم بعد لانتخاب الرئيس الجديد الذي يجب ان يفتح انتخابه باب الخروج الكبير من “جهنم” . ولكن الامال والاماني والاطار النظري شيء والواقع الملموس شيء اخر مغاير.
بطبيعة الحال بدا المشهد السياسي امس كأنه “على رأسه الطير” اذ نجح “عراب اللعبة ” الداخلية البرلمانية الرئيس نبيه بري في تحريك القعر السياسي والنيابي الراكد والمتثاقل من خلال توجيه دعوته الى جلسة اليوم لانتخاب رئيس الجمهورية في أولى الجلسات منذ بدء المهلة الدستورية في الأول من أيلول الحالي . ولكن هذا “النجاح” الشكلي لا يعني ان المجلس ذاهب اليوم الى انتخاب الرئيس الجديد ولا حتى في الافتراضات الأكثر واقعية لان اطلاق المسار الانتخابي لا يواكبه اكتمال اطار المبارزة او السباق الى بعبدا بدليل ان أي فريق “عريض” او أي ائتلاف بين الكتل الموالية في محور 8 اذار او تلك المعارضة والسيادية والتغييرية لم يتكمن عشية الجلسة من حسم مرشحه او مرشحيه للرئاسة ولم يكن اعلان النائب جبران باسيل مساء امس عن ان نواب “تكتل لبنان القوي” سيصوتون باوراق بيضاء سوى اثبات على ان الفريق “الممانع” لم يحدد بعد مرشحه فيما لم تتوحد أيضا القوى المناهضة المعارضة على مرشح واحد ولو انها اقتربت كثيرا من حصر الأسماء وتقليص الخيارات . بذلك يكون السيناريو الأكثر ترجيحا ان الجلسة ستغدو اختبارا ليس للانتخاب وانما لنصاب الثلثين الذي سيصبح معيار المواجهة الضمنية اقله اليوم . فالكتلة التي ستتخلف وتقاطع ستتعرض للاستهداف والاتهام بالعمل على التعطيل فيما يدرك الجميع تعذر الانتخاب لعدم امتلاك أي ائتلاف الأكثرية الكافية لانجاح مرشحه هذا في حال اشرقت شمس اليوم على مفاجأة من عيار التوصل الى طرح مرشحين جديين نهائيين .
وفي المعلومات التي ترددت حتى ليل امس ان جميع الكتل التي كانت امس في حال استنفار عارم لتحديد موقفها من الجلسة،ستكون حاضرة اليوم ولن تقاطع ولكن ما يصعب الجزم به هو العدد المتوقع النهائي لان باب المناورات والتوجس سيبقي العدد عرضة للحظات الأولى من الجلسة بما يعني انه يمكن ان تحضر كل الكتل والنواب ولكن باب افقاد النصاب سيبقى مفتوحا في أي لحظة .
توزع الكتل
وفي المعلومات ان كتلة “القوات اللبنانية” ستحضر الجلسة وهي عقدت اجتماعا افتراضيا لمناقشة الاستحقاق. ونقل عن مصادر معراب قولها “كثفنا في الساعات الماضية الاتصالات مع افرقاء المعارضة من أجل التوصل إلى اسم مرشح موحد قبل الجلسة.” كما قررت كتلة الكتائب الحضور والتواصل مع الكتل المعارضة لاتخاذ القرار الموحد حول مرشح المعارضة . وأعلنت كتلة تجدد أنها ستشارك في الجلسة “انطلاقاً من ضرورة خلق ديناميكية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، من دون السماح بوصول رئيس تابع لمحور الممانعة يمعن في سياسات الانهيار ولا رئيس رمادي تكون مهمته ادارة الانهيار عوض القيام بعملية الانقاذ المطلوبة”. وأضافت الكتلة أنها “تستكمل مشاوراتها مع مختلف قوى المعارضة، السيادية والاصلاحية والتغييرية، لتوحيد الموقف والاتفاق على مرشح تجتمع عليه المعارضة”. وأوضحت المعلومات أن النواب أسامة سعد وعبد الرحمن البزري وشربل مسعد سيشاركون في الجلسة والبحث بينهم مستمر بشأن اسم المرشح الذي سيصوتون له. وكشفت النائبة بولا يعقوبيان أنّ نواب قوى التغيير سيشاركون على أن تتخذ القرار النهائي حول اسم المرشح وان هناك اكثر من اسم مطروح والاتصالات ستبقى مفتوحة حتى الجلسة . وعقدت كتلة “اللّقاء الديمقراطي” اجتماعا مساء امس بحضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وقررت المشاركة والتصويت اليوم على ان تعلن خلال الجلسة اسم المرشح الذي سيتم التصويت له .
وعلى رغم عدم دقة المعلومات التي تطايرت في اتجاهات مختلفة نهارا تحدثت معلومات مسائية عن ان الإسم المرجّح للتصويت له اليوم من قبل “القوات” والإشتراكي والكتائب ومعظم النواب السنّة هو النائب ميشال معوض فيما كانت كتلة “التغييريين” تطرح اسم النائب السابق صلاح حنين والوزير السابق زياد بارود ولكن لم يتم التوصل الى الاتفاق النهائي حتى ساعات الليل .
في المقابل تتجه معظم كتل 8 اذار الى التصويت باوراق بيضاء اذ اعلن النائب جبران باسيل مساء امس ” سنصوت بورقة بيضاء في جلسة الغد وليس لدينا أي مرشّح لمنصب الرئاسة”. وأضاف”مستعدّون للتشاور مع الجميع ولكن لا أعلم لمن سيُصوّت الحلفاء ولدينا ورقة مختلفة حول انتخابات الرئاسة سنعرضها الأسبوع المقبل”. واعلنت مصادر في كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة انهما ستصوتان باوراق بيضاء . ومن جانبها، كتلة النواب الأرمن ستشارك في الجلسة وستدرس الخيارات المتعلقة بالتصويت اذا اكتمل النصاب. وافيد ان “تكتل الاعتدال الوطني” الذي يضم ٦ نواب شماليين واللقاء النيابي الذي يضم ٣ نواب سُنة إتفقا على حضور الجلسة وفي حال اكتمال النصاب قد يصوت هؤلاء بورقة بيضاء في حال عدم وجود أي مرشح جدي. أما “كتلة المشاريع النيابية” التي تضم النائبين عدنان طرابلسي وطه ناجي فأعلنت أنها ستشارك في الجلسة .
وكان باسيل شن هجوما حادا على رئيس مجلس القضاء الأعلى رافضا مثول النائب شربل مارون امام القضاء بناء على استدعائه بسبب تهجمه على عبود والقضاء . وقال باسيل : “حتى لو أراد النائب أن يتنازل عن حصانته لا يستطيع، والحصانة تمنع استدعاء النائب، الا اذا ارتكب جرما مشهودا مثل القتل، لا اذا عبر عن رأيه ورأي الناس ومن يمثلهم”. وسأل: “هل يجوز الادعاء بهذه الطريقة على نائب يتمتّع بالحصانة النيابية؟” وقال: “اذا تعرض رئيس الجمهورية الى الاهانة تتحرك النيابة العامة تلقائياً، ولكن 3 سنوات من الشتائم على رئيس الجمهورية لم نر قاضا واحدا تحرك في هذا الاتجاه، واليوم نرى استدعاء نائب فقط لأنه عبر عن رأيه”.
عاصفة الدولار !
وسط هذه الأجواء فاجأ وزير المال في حكومة تصريف الأعمال، يوسف خليل اللبنانيين بإعلان تعديل سعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية ليصبح 15000 ليرة مقابل الدولار اميركي، بدلا من 1507 ليرة، “في خطوة تهدف الى وقف تدهور العملة وتشكل خطوة أولى نحو توحيد سعر الصرف في البلاد على أن يبدأ تطبيق هذا القرار بدءا من نهاية شهر تشرين الأول”.
وأعلنت وزارة المال لاحقا أن السلطات المالية والنقدية ستعمل على “احتواء أي تداعيات على الأوضاع الاجتماعية للمواطن اللبناني (على سبيل المثال القروض السكنية) وكذلك على مساعدة القطاع الخاص على الانتقال المنظّم الى سعر الصرف الجديد المعتمد”.
وفي حين أدى هذا القرار الى بلبلة بين اللبنانيين عموما، أكدت مصادر قريبة من مصرف لبنان لـ”النهار” ان كل الامور غير واضحة حتى الآن في مصرف لبنان في انتظار اجتماع المجلس المركزي الذي يمكن ان يعقد جلسة طارئة قبل الاجتماع الاسبوعي المعتاد (كل اربعاء). ولكنها جزمت في المقابل أن ثمة تعديلات ستطرأ على تعاميم مصرف لبنان وخصوصا التعميم 151 الذي يتعلق بالسحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية، مرجحة ان يرفع سعر صرف الدولار الأميركي من 8 آلاف ليرة الى 15 ألف، إذ لا يمكن وفق ما تقول أن يبقى أي سعر صرف أقل من 15 ألف ليرة وهو السعر الرسمي الجديد.
أما بالنسبة للقروض الشخصية والتجارية، فأكدت المصادر أن ثمة تعميما حاليا يقضي بأن تدفع القروض التجارية على سعر الـ 8 آلاف ليرة، اما القروض غير التجارية أي قروض تجزئة (سكنية، سيارات، وCredit Card) فتدفع على سعر صرف 1500 ليرة، وتاليا ترجح المصادر أن تدفع القروض التجارية على سعر الـ 15 ألف ليرة، فيما يبقى الوضع على حاله بالنسبة للقروض الشخصية اي على سعر الـ 1500 ليرة، علما أن مصادر وزارة المال أكدت لـ”النهار” أن ثمة استثناء للقروض السكنية فقط من سعر صرف الـ 15 ألف ليرة، فيما القروض الشخصية الاخرى فستدفع على سعر صرف 1500.وعلم ان الوزارة ستتخذ تدابير إجرائية في موضوع تحديد سعر الدولار الجمركي الذي يمكن ان يتخطى ال 15 الف ليرة.
وأكدت المصادر أن كل هذه الامور خاضعة للدرس المعمق من مصرف لبنان، كما أنها متوقفة على القرارات التي سيتخذها المجلس المركزي لمصرف لبنان.
واللافت في هذا السياق ان رئيس #مجلس النواب نبيه بري بدا منزعجا من القرار الذي تتحمله الحكومة ولو انه صادر عن الوزير المحسوب عليه .