بنسبة عالية جدا تكاد تقارب اليقين شبه النهائي، يقف #لبنان وإسرائيل على مشارف تطور استثنائي يتمثل في موافقة مرتقبة للسلطات الرسمية في كل منهما هذا الأسبوع على اتفاق #ترسيم الحدود البحرية كما انجزه وارسله الى سلطات البلدين الوسيط الأميركي في هذا الملف آموس #هوكشتاين. صحيح ان هذا الاتفاق لا يرقى الى مستوى اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل، ولا هو يقترب طبعا من صيغة معاهدة سلام شبيهة باتفاق 17 أيار، ولا هو اتفاق يحتوي على بنود سياسية تخرج عن الاطار الترسيمي التقني البحت، ومع ذلك ليس تطورا عاديا ان تسجل الولايات المتحدة عبر وسيطها هوكشتاين بعد اكثر من عشرة أعوام من نشوء هذه الوساطة والمفاوضات المكوكية التي تناوب عليها موفدون اميركيون عديدون، اختراقا بهذا الحجم نأى بلبنان وإسرائيل عن شبح مواجهة على قاعدة تلبية حقوق لبنان السيادية ومتطلباته الاقتصادية الملحة في الشروع في التنقيب عن الغاز والنفط، وتلبية متطلبات إسرائيل الاقتصادية والاستراتيجية والأمنية من جهة مقابلة. بذلك شكل اتفاق الترسيم الذي ستشكل الأيام القليلة المقبلة المساحة الزمنية ما قبل الأخيرة لابرامه، في الناقورة على الأرجح في منتصف الشهر الحالي، تطورا واختراقا استثنائيا في الشرق الأوسط برمته، اذ تتركز انظار الأوساط المعنية في المنطقة كلها حيال احتمال ان تتكشف ابعاد إقليمية ودولية يكتسبها ويمكن ان تظهر تباعا ناهيك عن الابعاد النفطية التي لا تنفصل ابدا عن الظروف الخارجية والأوروبية التي ساهمت في بلوغ هذا التطور خاتمة إيجابية نادرة كهذه.
اما الموقف اللبناني الرسمي من الطرح الاميركي بشان الترسيم البحري فسيدرس في اجتماع للرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي في قصر بعبدا في الثالثة بعد ظهر اليوم بعد اجتماع للفريق الفني والتقني الذي يضم نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم، وضابطاً من مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش وممثلا عن هيئة قطاع النفط وخبراء اضافة الى ممثل رئيس مجلس النواب علي حمدان . وكان الرؤساء تسلموا تباعا من السفيرة الأميركية دوروثي شيا السبت نسخا عن مسودة الاتفاق أرسلها اليهم هوكشتاين. وفي حين صرحت شيا اثناء مغادرتها عين التينة بان “الأمور تبدو ايجابية جداً” أكد بري أن “مسودة الاتفاق النهائي حول ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل إيجابية”، معتبرا ان “المسودة تلبي مبدئياً المطالب اللبنانية التي ترفض إعطاء أي تأثير اللاتفاق البحري على الحدود البرية”. واوضح إن الاتفاق مؤلف من 10 صفحات وباللغة الإنكليزية ويستلزم درسا قبل إعطاء الرد النهائي عليه، مشيرا إلى أنه ورئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي يدرسون مع مساعديهم وتحديد الملاحظات عليه – إن وُجدت – على أن يتم بعدها التشاور بينهم قبل تقديم الرد. وجزم بري بأن الاتفاق سوف يتم توقيعه عند حصوله في الناقورة عند نقطة الحدود وفقا لاتفاق الإطار الذي كان توصل إليه مع الأميركيين العام الماضي.
ولوحظ أن رئاسة الحكومة اعتمدت أسلوباً مغايراً عن السياق التعبيريّ الذي تصدّر أجواء الرئاستين الأولى والثانية، فغابت عن التلويح بدخول زمن التنقيب اللبناني عن النفط رغم تأكيدها الايجابيات المنبثقة من الورقة. وعُلم أنها انصبّت أولاً على دراسة المسودة الخطية بكامل جوانبها، من خلال الفريق التقني الخاص بالرئيس نجيب ميقاتي. وبحسب المعطيات التي تشير إليها أوساط رئاسة الحكومة لـ”النهار، فإن ميقاتي احتكم إلى التمهّل قبل إبدائه انطباعاً أوليّاً حول الرسالة الخطية المتضمنة الاقتراحات المتعلقة بترسيم الحدود البرية الجنوبية. وهو فضّل عدم التعبير قبل دراسة معطى مؤلف من 10 صفحات مكتوبة باللغة الانكليزية، مع الاشارة إلى أنه اتضح لديه اتخاذ المسوّدة بالمسلّمات الأساسية التي كان طلبها لبنان. وسلّم ميقاتي المقترح إلى فريق عمله التقني الذي وضع بعض الملاحظات حول مسائل تفصيلية، تلفت أجواؤه إلى أنها لا تؤثر على اتفاق الترسيم. ويتطلع ميقاتي إلى الترسيم البحري من منظار إيجابي لتسهيل مهمّة استخراج الغاز .
ولعل التطور الأكثر دلالة في هذا السياق جاء في الإيحاءات المرنة والايجابية لكلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، اذ بدا كأنه يستبق الموقف الرسمي في الموافقة على “نص الجهة الوسيطة” من دون ان يسمي اميركا او هوكشتاين . وقال “في موضوع الحدود البحرية وحقوق النفط والغاز، بعد أشهر من الجهد والنضال السياسي والميداني والاعلامي، شاهدنا اليوم ان الرؤساء تسلموا النص المكتوب من الجهة الوسيطة ، كنت أردد دائما ان الدولة هي التي تأخذ القرار المناسب الذي تراه لمصلحة لبنان ونحن امام ايام حاسمة في هذا الملف” واضاف “سيتضح خلال الايام المقبلة ما هو موقف الدولة اللبنانية ونحن نأمل ان تكون خواتيم الامور جيدة وطيبة للبنان واللبنانيين جميعا” واوضح “اذا كانت النتيجة طيبة فإن ذلك سيفتح آفاقا جديدة وطيبة للبنانيين ان شاء الله وهذا سيكون نتاج التعاون والتضامن الوطني”.
مضمون الاتفاق
وأفادت المعلومات أنّ المقترح الأميركي يراعي التعديلات التي طلبها لبنان إضافة إلى تلبية مطلب لبنان بالخط 23 وحقل قانا كاملاً، والتزام فرنسي من شركة “توتال” ببدء التنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية فور توقيع اتفاق الترسيم . وأكدت أنّ “تصوّر هوكشتاين مُخصّص للترسيم البحري حصراً لا البرّي”، بانتظار الجواب من الجانبين اللبناني والإسرائيلي، على أن يتمّ توقيع الاتفاق في الناقورة، برعاية أميركية وأممية، فـ”لبنان لا يعترف بإسرائيل ولن يكون أمام اتفاق مباشر”.
وأكدت مصادر رسمية لبنانية أنّ “العرض الأميركي لم يلحظ وجود منطقة أمنية بحرية عازلة”. وأضافت أنّ “العرض الأميركي يخضع حاليّاً لدراسة بنوده القانونية وإحداثياته التقنية، ويجري التأكد من عدم وجود ثغرات قانونية وتقنية تؤثر سلباً على حقوق لبنان”. ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر إسرائيلية ان الاتفاق سيكون ملزما وسيتم ايداعه لدى الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا ستكونان ضامنين له وقالت ان إسرائيل ستحصل على تعويضات مقابل سماحها للبنان بضخ الغاز من حقل قانا وبضمانات دولية .
وأعلنت الخارجية الأميركية ان المنسق الخاص في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل يواصل انخراطه لإنهاء المناقشات.
واضافت “قدمنا مقترحا أميركيا بشأن اتفاق نهائي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل ونرحب بالروح التشاورية للطرفين في التوصل الى حل ونعتقد أن التسوية الدائمة ممكنة”. واعتبرت ان: “حل النزاع بشأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يمثل أولوية رئيسية لإدارة بايدن ونعتقد أن الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين سيعزز الاستقرار في المنطقة”.
الموقف في اسرائيل
وفي المقلب الاخر، بدا لافتا ان الاعلام الإسرائيلي ركز على إيجابية موقف نصرالله فيما دخل الاتفاق باب الصراع الانتخابي الداخلي بقوة . وصرح رئيس الحكومة الاسرائيلية يائير لابيد في بداية اجتماع مجلس الوزراء امس أن الاقتراح الأميركي للترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل “يحافظ بشكل كامل على مصالح الأمن السياسي لإسرائيل، وكذلك مصالحنا الاقتصادية.” وقال: “لبنان وإسرائيل تسلما اقتراح الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين لاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ونجري مناقشات حول التفاصيل النهائية، لذا لا يمكن المباركة بالاتفاق النهائي بعد، لكن كما طالبنا منذ اليوم الأول، فإن الاقتراح يحافظ بشكل كامل على مصالح الأمن السياسي لإسرائيل، وكذلك مصالحنا الاقتصادية”. وتابع لابيد: “منذ أكثر من عشر سنوات، تحاول إسرائيل التوصل إلى هذه الصفقة ،سيتم تعزيز أمن الشمال، وستعمل الحفارة في حقل “كاريش” وستنتج الغاز ، وستذهب الأموال إلى خزينة الدولة، واستقلال الطاقة لدينا مضمون. هذه صفقة تعزز الأمن الإسرائيلي والاقتصاد الإسرائيلي. ليس لدينا اعتراض على تطوير خزان غاز لبناني آخر، سنحصل منه بالطبع على الرسوم التي نستحقها، وهذا الخزان سيضعف تبعية لبنان لإيران، وسيكبح حزب الله، ويحقق الاستقرار الإقليمي”.
من المتوقع أن يعقد لابيد اجتماعاً للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية( الكابينت) يوم الخميس المقبل وستكون قضية اتفاق ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية في قلب المناقشة. وبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم” قد يعرض لابيد الاتفاق مع لبنان على الوزراء للمصادقة إذا اكتمل بحلول ذلك الوقت، ومن المتوقع أيضاً أن يتناول الاجتماع تهديدات “حزب الله” بمهاجمة منصة الحفر في حقل الغاز “كاريش”. ويعتزم لابيد الموافقة على الاتفاقية مع لبنان من خلال بند خاص في اللوائح الحكومية يسمح له بإخفاء تفاصيله عن الجمهور، حيث ينوي عرض الاتفاقية على الحكومة والكنيست فقط بعد المصادقة عليها من قبل المجلس الوزراي (الكابينت).
وفي ضوء ذلك، ولأن حكومة لابيد حكومة انتقالية، اجتمعت جمعيتان قانونيتان وتواصلتا مساء السبت مع مكتب لابيد، وحذرتا من أن الموافقة على الاتفاقية سراً، باطلة قانوناً ولن تتمكن من الصمود أمام محكمة العدل العليا في اسرائيل.
وكانت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية أوردت أن الإتفاق مع لبنان على ترسيم الحدود البحرية قريب، ولكن في انتظاره عائق قانوني. وقالت أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ترى في الإتفاق إنجازا، ويعجل من استخراج الغاز من حقل “كاريش”، ويخلق توازن ردع أمام لبنان، ويضعف تعلق لبنان بإيران، ولكن تقديم الليكود إستئنافاً للمحكمة العليا يمكنه تأخير الإتفاق.
لكن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق،اتهم يائير لابيد، رئيس الوزراء الحالي، بالخضوع لحسن نصر الله . ونشر نتنياهو تغريدة على حسابه الرسمي على “تويتر”، أعتبر من خلالها أن “لابيد قد استسلم لحسن نصر الله بشكل مخجل، مانحا حزب الله اللبناني أرضا ذات سيادة لدولة إسرائيل”. وأشار نتنياهو إلى أن يائير لابيد “قد منح حزب الله خزان غاز ضخم يخص المواطنين الإسرائيليين، وذلك دون مناقشة داخل البرلمان الإسرائيلي “الكنيست”، ودون استفتاء عام، لافتا إلى أنه “ليس لرئيس الوزراء الحالي، يائير لابيد، أي تفويض لتسليم أرض ذات سيادة لدولة معادية”.