بات من المسلّم به أنّ مسار التفاوض الحدودي البحري يسير على سكة “تقاطع مصالح” أميركية – إسرائيلية – لبنانية – إقليمية ترعى وصوله “ديبلوماسياً” إلى توقيع اتفاقية ترسيم ترتكز على قاعدة “توازن النصر” بين لبنان وإسرائيل، وفق تعبير نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب مساءً، في معرض تأكيده على أنّ هذه الاتفاقية تؤمّن للجانبين إمكانية عدم وجود “ربحان وخسران” بينهما، كاشفاً أنّ لبنان سلّم السفيرة الأميركية دوروثي شيا بعد ظهر الأمس الرد اللبناني الرسمي على العرض الأميركي و”بات في عهدة الوسيط آموس هوكشتاين”، لكنّ بو صعب حرص على لفت الانتباه إلى أن هذا الرد لا يتضمن “موافقة نهائية” من لبنان على مسودة الاتفاقية بل يُحدد الملاحظات اللبنانية إزاء عدد من النقاط المطروحة فيها، لتبقى خواتيم الأمور مرهونة بتسلّم لبنان الصيغة الرسمية الأخيرة للاتفاق المرتقب، على أن يعود عندها الرؤساء الثلاثة إلى الاجتماع مجدداً لتحديد الموقف حيالها بالموافقة من عدمها.
وسواءً من إشارة بو صعب إلى “المفاجآت التي تبرز دائماً في الطريق”، أو من خلال المعطيات التي أحاطت بالموقف اللبناني الرسمي خلال الساعات الماضية، يبدو واضحاً أنّ السلطة استفاقت من “سكرة” التهليل لإنجاز اتفاق الترسيم لتجد نفسها أمام واقع الترويج لفكرة الرضوخ للشرط الإسرائيلي بالاستحصال على حصة من عوائد حقل قانا اللبناني. إذ أكدت مصادر مواكبة للملف أنّ هذه المسألة “أحدثت إرباكاً في موقف أركان السلطة فكان القرار بعد التشاور مع “حزب الله” بإيجاد تخريجة يؤكد من خلالها لبنان الرسمي للوسيط الأميركي الموافقة على الحصة الإسرائيلية من حقل قانا لكن على أن يتم اقتطاعها من نسبة الأرباح التي ستتقاضاها شركة توتال الفرنسية (والتي تقدر بحدود 40%) عن أعمالها في استخراج الغاز من الحقل اللبناني”.
أما ما عدا ذلك من ملاحظات، فأوضحت المصادر أنّها في معظمها كناية عن “مواقف مبدئية مرتبطة بكيفية تظهير الاتفاقية بعيداً عن أي مظاهر قد تؤشر إلى وجود تطبيع بين لبنان وإسرائيل، واستفسارات تقنية حول بعض الإحداثيات الواقعة على طول الخط 23 الحدودي بما يضمن عدم وجود أي اتصال للاتفاق النهائي بخط العوّامات الإسرائيلي”، مشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ الملاحظات والاستفسارات اللبنانية تم وضعها في صيغة الرد الرسمي على العرض الأميركي ضمن إطار التأكيد على “موافقة لبنان بشكل عام على بنية مسودة الاتفاق”.
حكومياً، برز أمس تجديد الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الشكوى من “العراقيل والشروط” التي يضعها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من دون أن يسميه في وجه عملية التأليف، مؤكداً في المقابل عزمه على المضي قدماً “في تشكيل الحكومة الجديدة رغم العراقيل الكثيرة التي توضع في طريقنا والشروط والإيحاءات التي تهدف الى خلق أمر واقع في أخطر مرحلة من تاريخنا”، مع تجديده التشديد على أنه “لن يكون مسموحاً لأحد بتخريب المسار الدستوري وعرقلته”. وفي هذا السياق، نقلت أوساط مطلعة على مستجدات الاتصالات الحكومية لـ”نداء الوطن” أنّ الأمور عادت إلى مربّع “التعقيدات” والعمل مستمر في سبيل تذليلها خصوصاً بعدما “وسّع باسيل مروحة تعديلاته الوزارية لتشمل اشتراطه استبدال كل وزرائه الحاليين بأسماء أخرى من “صقور” تياره بغية رفع مستوى التحدي داخل مجلس الوزراء في مواجهة ميقاتي خلال فترة الشغور الرئاسي”.
أما على مقلب قوى المعارضة، فالجهود تتركز على رفع الحاصل الانتخابي للمرشح ميشال معوض في دورة الانتخابات الرئاسية الثانية المرتقبة منتصف الشهر الجاري في المجلس النيابي، وأكدت مصادر معارضة لـ”نداء الوطن” أنّ الاتصالات والمشاورات تتكثف في سبيل رفع “Score” الأصوات التي ستصب في صالح ترشيح معوّض، لرفع منسوب الضغط والتصدي لمخطط الشغور والدفع باتجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية.
وإذ تتجه الأنظار خلال الساعات المقبلة إلى معراب لرصد مفاعيل اللقاء الذي سيجمع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مع نواب تكتل “الاعتدال الوطني” السنّي، يبدو جلياً أنّ قرار “القوات” و”الاشتراكي” بالاستمرار في دعم ترشيح معوّض ومحاولة توسيع دائرة التوافق النيابي حول ترشيحه، إنما يصب في خانة تأكيد جدية كتل وتكتلات قوى المعارضة في مسألة تعزيز فرص وصول المرشح الذي يحظى بأكبر قدر توافقي إلى سدة رئاسة الجمهورية، الأمر الذي يتقاطع مع ما تطالب به بكركي وسائر المرجعيات والقوى الوطنية الحريصة على منع الشغور الرئاسي، ما سيزيد تلقائياً الضغط على “حزب الله” وحلفائه بعدما يتضح أمام الرأي العام الداخلي والخارجي أنّ هذا الفريق هو المسؤول عن تعطيل الاستحقاق الرئاسي وإجهاض فرص انتخاب رئيس جديد للجمهورية يحظى بأكبر قدر من الدعم النيابي.
وفي الغضون، تنكب دوائر قصر بعبدا على مهمة تحضير “جدول أعمال” رئيس الجمهورية ميشال عون في نهاية ولايته، بحيث علمت “نداء الوطن” أنّ “البرنامج الرسمي المكثّف للأسبوعين الأخيرين من ولاية عون أنجز ويتضمن لقاءات متنوعة، منها شعبية وأخرى محصورة بدوائر رئاسة الجمهورية ولواء الحرس الجمهوري ولقاء مع الاعلاميين المعتمدين، على أن تكون مراسم الوداع البروتوكولية في اليوم الأخير لعون في قصر بعبدا شبيهة بتلك المراسم التي تتبع عادةً في اليوم الأول لوصول رئيس الجمهورية إلى القصر. في حين سيتولى “التيار الوطني الحر” تنظيم ترتيبات موازية لمواكبة خروج عون من بعبدا وانتقاله إلى الرابية في الحادي والثلاثين من الجاري بين الساعة الثالثة والرابعة عصراً.