لم تكن عودة “اقتحامات #المصارف” امس سوى اثبات المثبت في كون الانهيار الذي يتخبط ال#لبنانيون في تداعياته المالية والاقتصادية والاجتماعية يتقدم ويطغى على كل شيء. فلا اتفاق الترسيم، ولا الاستحقاق الحكومي، ولا الاستحقاق الرئاسي، ولا أي استحقاق او تطور مهما بلغت درجات وسقوف أهميته يتقدم معاناة اللبنانيين جراء الانزلاق المتدحرج نحو متاهات اشد قسوة في يوميات الناس وحاجاتهم الضاغطة واولويات عيشهم. واذا كان من غير المقبول تشجيع تحصيل الحقوق بالقوة والترهيب والعنف، ولو كان المودع صاحب حق مشروع بالكامل، فان الغريب ان الدولة تلتزم في كل مرة تتجدد فيها جولات المواجهة بين المصارف والمودعين التفرج، وكانها ليست المسؤولة الأولى والاساسية عما أصاب لبنان فيما تبقى قضية الودائع بلا أي حل جذري وعرضة للترقيع والتخدير اللذين لن يفيدا اطلاقا في منع مزيد من التفاقم في هذه القضية.
وفيما تبقى الأنظار السياسية والديبلوماسية مركزة على تطورات ملف الترسيم البحري في انتظار الردين الرسميين للبنان وإسرائيل على نص الاتفاق الذي تبلغه الطرفان من الوسيط الأميركي في ملف الترسيم، فان ذلك لم يحجب التطلع الى المعطيات التي سادت في الأيام الأخيرة عن امكان التوصل الى بت الاستحقاق الحكومي وحسمه عبر تعويم الحكومة الحالية بإدخال بضعة تعديلات وزارية محدودة عليها. ولكن المعلومات التي توافرت لـ”النهار” امس أفادت ان لا اتفاق على حكومة جديدة حتى الساعة، وان الجمود الحكومي خيّم على اجتماع الترسيم بين الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي اول من امس بحيث اثير الموضوع سريعاً بناء لتدخل من الرئيس بري الذي طلب من الرئيسين عون وميقاتي في خلوتهما الثلاثية تحريك الملف الحكومي. ومع ذلك علم ان الشروط والشروط المضادة ما زالت تحول دون الاتفاق على تعديل او تفعيل الحكومة المكبلة بصلاحياتها المحدودة .
ورغم ذلك، تؤكد مصادر متابعة انه ستكون هناك حكومة معدلة او مفعلة في ربع الساعة الاخير، وهذا ما يعمل على الدفع في اتجاهه “حزب الله” وقد يضع الجميع امام هذه المعادلة عندما تدنو ولاية الرئيس ميشال عون من نهايتها دون الاتفاق على خلف له في بعبدا.
وتقول المصادر نفسها ان اقل ما يمكن القيام به هو تعيين وزيرين جديدين مكان وزيرين يطلبان الخروج من الحكومة، وهما وزير المال يوسف الخليل ووزير الاتصالات جوني القرم. وتؤكد المصادر انه سيكون للبنان حكومة فاعلة قبل نهاية العهد والسؤال كيف ومتى يفترض ان تأتي الاجابة عليه الاسبوع المقبل كحد معقول.
وبحسب المصادر المتابعة، فان الملف الحكومي يجب ان يحسم قبل منتصف الشهر الحالي لأنه يجب اعطاء الحكومة الوقت لوضع بيانها الوزاري الذي ستنال الثقة على اساسه، وهكذا لن يكون بالامكان انعقاد مجلس الوزراء الجديد برئاسة رئيس الجمهورية الا في جلسة اقرار البيان الوزاري فقط. وعلم امس ان ثمة اتجاها لدى رئيس مجلس النواب الى عقد جلسة تشريعية في 13 تشرين الأول الحالي لمتابعة مناقشة القوانين الإصلاحية وفي مقدمها التعديلات التي أدخلت على قانون السرية المصرفية التي ردها الرئيس ميشال عون الى المجلس. ويرجح ان يدعو بري الى عقد الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية في 14 من الحالي.
وفي الملف الحكومي أكد ميقاتي امس “أننا ماضون في عملية تشكيل الحكومة الجديدة رغم العراقيل الكثيرة التي توضع في طريقنا والشروط والايحاءات التي تهدف الى خلق امر واقع في اخطر مرحلة من تاريخنا. وإننا مصممون على متابعة العمل وفق ما يقتضيه الدستور والمصلحة الوطنية، ولن يكون مسموحا لأحد بتخريب المسار الدستوري وعرقلته”. وتمنى “أن يوفق المجلس النيابي في انتخاب رئيس جديد للبلاد ضمن المهلة الدستورية، لأن التحديات تقتضي اكتمال عقد المؤسسات الدستورية وتعاونها وتكاملها”. واذ لفت الى “ما يتعرّض له إتفاق الطائف من حملات غير بريئة”، شدد على “ان هذا الإتفاق، الذي بفضله توقّف المدفع وعادت مؤسسات الدولة إلى أداء دورها الطبيعي، هو إتفاق لا نقول إنه منزل، بل على الأكيد هو أفضل من الفوضى والديماغوجية”. كما شدد على “ان اتفاق الطائف هو الإطار الطبيعي، الذي يمكن أن يجمع اللبنانيين على قواسم مشتركة، مع التشديد على تطبيق كل بنوده، روحا ونصا، ومع السعي الموضوعي، ومن ضمن ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا، إلى تطويره بما يتناسب مع الحداثة، مع الحفاظ على ما يضمن صيغة العيش المشترك بين أبنائه”.
الرد على تصور الاتفاق
اما في ملف الترسيم، فقد سلم لبنان رسميا رده وملاحظاته النهائية التي جمعت في اجتماع قصر بعبدا اول من امس حول العرض الأميركي للاتفاق حول الترسيم البحري تمهيدا لارساله بصورته الرسمية النهائية الى الوسيط الأميركي في الملف آموس هوكشتاين وفق ما اعلن ليل امس نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب. وفي هذا السياق التقى بو صعب السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي اطلعت منه على نتائج المحادثات التي حصلت في القصر الجمهوري الاثنين، والملاحظات النهائية التي وضعها الجانب اللبناني على المسودة .
وفي المواقف السياسية من الاتفاق طالب حزب الكتائب بإحالة الاقتراح على مجلس النواب لاطلاع النواب عليه، “كونهم ممثلين للشعب اللبناني، للتصويت عليه وفق ما ينص عليه الدستور في التعاطي مع المعاهدات الدولية وبخاصة المادة 52 منه التي تشير بالحرف إلى أن: “المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب. وعليه فإن هذا الملف لا يجوز أن يبقى محصورًا بفريق حزب الله وحلفائه خلافًا للدستور وبمعزل عن الشعب اللبناني”.
وفي المقلب الإسرائيلي لم تتبدل صورة الانقسامات الداخلية حول اتفاق الترسيم على خلفية التنافس الانتخابي على الساحة الاسرائيلية. ولكن الحكومة الإسرائيلية بدت ماضية في ابرام الاتفاق دون تأثر بالحملات الحادة التي يشنها رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب الليكود بنيامين نتيناهو على رئيس الوزراء الحالي يائير لابيد. وفي هذا السياق أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس امس في حديث لصحيفة “إسرائيل اليوم” أنه يأمل في التوقيع على إتفاق #ترسيم الحدود. وأوضح أنه سيتم عرض بنود الإتفاق الرئيسية على الجمهور بشفافية بطريقة أو بأخرى في حال تم التوقيع عليه، لكن من المستحيل عرضه أثناء إجراء المفاوضات. واعتبر أن في حال تم التوصل إلى إتفاق لترسيم الحدود البحرية، فعلى المدى الطويل سيقلل هذا الإتفاق من إعتماد لبنان على إيران ونفوذها. في المقابل، استمر نتنياهو في إنتقاد لابيد، معتبرًا أن إتفاقية الترسيم صفقة مخزية وأن لابيد سلم ثروة ضخمة من الغاز إلى لبنان.
الاقتحامات مجددا
وبالعودة الى المشهد اللبناني برزت امس عودة تحريك جبهة المصارف مجددا من خلال حوادث اقتحامات جديدة قام بها مودعون بشكل متتابع في بعض المناطق الامر الذي أعاد الى الواجهة قضية الودائع كما امن الحركة المصرفية . وأقدم مؤهل أول متقاعد في الجيش على اقتحام بنك BLC في شتورة شاهراً مسدّساً حربيّاً، ومطالباً بوديعته البالغة 24502 دولار أميركي، ومحتجزًا الرهائن. ثم اقتحم مودع ثان بنك بيبلوس في صور للحصول على وديعته المالية والبالغة 44 ألف دولار لتسديد ديونه كما أعلنت جمعية المودعين. كذلك، إقتحم عدد من موظفي شركة كهرباء قاديشا مصرف FNB في طرابلس إحتجاجًا على قرار المصرف حسم ٣ في المئة من رواتب ومستحقات الموظفين، وفقًا لروايتهم. اما في الحازمية، فبدا لافتا اعتصام مودع داخل مصرف انتركونتيننتال مطالبا بامواله تبين لاحقا انه جورج سيام القنصل العام الفخري لإيرلندا في لبنان وقد شغل منصب مدير البروتوكول في الخارجية وهو خرج ليلا من المصرف بعد تسوية مع ادارته . وبازاء هذا التطور وفيما تأكد ان المصارف لن تواجهه مجددا باقفال أبوابها أصدرت جمعية مصارف لبنان بيانا مسهبا طرحت فيه قضية الودائع والمسؤولية الأساسية التي تتحملها الدولة عنها محذرة مجددا من وضع المصارف في مواجهة المودعين ودعت الى إقرار خطة نهوض شاملة وإقرار كل التشريعات والاصلاحات المطلوبة للحفاظ على ما تبقى من مخزون بالعملات الصعبة لمصلحة المودعين أولا محذرة في حال التلكؤ من نضوب هذا المخزون في المستقبل القريب لدى مصرف لبنان .