كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: عاجلاً أم آجلاً كان يدرك أركان “مافيا المال والسلطة” أن كيل الناس سيطفح ويفيض ذلاً وقهراً وفقراً، لكنهم واصلوا السلبطة والبطش والنهب متكئين على صلابة المنظومة الحاكمة وقدرتها على قمع المحتجين وكتم أنفاس المعترضين وأصحاب الحقوق، كما حصل في شوارع ثورة 17 تشرين التي تفرّق شملها وخفت وهج انتفاضتها تحت وطأة الغزوات والهجمات المضادة التي شنّها مناصرو أحزاب 8 آذار بالتوازي مع تسخير أجهزة الدولة لحماية السلطة الفاسدة، وصولاً إلى “فقء عيون” المواطنين الثائرين على الفساد بسلاح حرس المجلس النيابي.
غير أنّ سياسة “فرّق تسد” التي انتهجتها منظومة 8 آذار وأحزابها، تحوّلت بعد طول معاناة وانسداد أفق إلى حراك ثوري بـ”المفرّق” كما هو الحال في الانتفاضة الحاصلة على المصارف والتي بدأت تتمدّد بين المودعين لتحرير ودائعهم بسواعدهم على قاعدة “العين بالعين والبادئ أظلم”، وقد بدأت هذه الانتفاضة تلقى رواجاً في صفوف موظفي الدولة وأفراد السلك العسكري وصولاً إلى نواب الأمة مع انضمام النائبة سينيتا زرازير أمس إلى قائمة مقتحمي البنوك لاسترجاع وديعتها.
وإذ يبدو أنّ موجة اقتحام المصارف لن تستكين في المدى المنظور، لا يستبعد المراقبون أن تصبح من “يوميات مشهديات اليأس اللبنانية”، خصوصاً وأنّ مجمل الاقتحامات التي حصلت حتى الساعة نجحت في تحقيق أهدافها بتحرير وديعة من هنا أو جزء من وديعة من هناك بالفريش دولار والليرة اللبنانية، والجديد في الموضوع ما برز أمس لناحية إعداد إدارات المصارف “ورقة تعهّد” تطلب فيها من كل مقتحم بنك التكتّم وعدم الإفصاح عن حصيلة الأموال التي تقاضاها من وديعته بنتيجة المفاوضات معه. وهو ما جرى مع النائبة زرازير التي رفضت التوقيع على هذه الورقة بعد استرجاعها مبلغ 8500 دولار أميركي من بنك بيبلوس، بينما آثر المؤهل المتقاعد في قوى الأمن الداخلي حسين شكر التزام الصمت مكتفياً بالقول إثر مغادرته فرع مصرف “الاعتماد اللبناني” في حارة حريك: “مشي الحال ما بقدر إحكي أكثر والجماعة طلعوا أوادم”، في إشارة إلى أنه استرجع وديعته من المصرف، بينما سرّبت جمعية المودعين أنّ الاتفاق الذي حصل مع شكر أفضى إلى تسليمه من جانب المصرف “كامل وديعته بالليرة اللبنانية البالغة 286 مليون ليرة و 3000 دولار كجزء من وديعته البالغة 48000 دولار“.
أما الأخطر بحسب المراقبين، فهو إمكانية أن تسلك الأمور اتجاهات لا تُحمد عقباها على مستوى الأحداث المتصاعدة التي تشهدها المصارف في الآونة الأخيرة، في حال لم يبادر المسؤولون إلى إيجاد الحلول العاجلة لأزمة المودعين، محذرةً في هذا السياق من خطر تحوّل بعض هذه الأحداث على المدى الطويل إلى أحداث دموية نتيجة “فورة غضب أو سوء تقدير”، مستدلةً على ذلك من الحادث الأمني الذي وقع أمس في مدينة جبيل حيث أثار منع مواطن من الدخول إلى “بنك بيروت” من دون موعد مسبق غضبه، فما كان منه إلا أن أطلق النار باتجاه البنك قبل أن يغادر المكان.
رئاسياً، وبينما يتجه رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى تحديد الثالث عشر من الجاري موعداً لانعقاد الدورة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية، ارتفع منسوب الضغط الكنسي الماروني أمس على المجلس النيابي للحؤول دون وقوع الشغور الرئاسي، بحيث دعا المطارنة الموارنة إثر إجتماعهم الشهري في الصرح البطريركي في بكركي، برئاسة البطريرك بشارة الراعي “السادة النواب، ولا سيما رئيس المجلس النيابي، إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهوريّة ضمن المهلة الدستوريّة، يكون قادراً على بناء وحدة الشعب اللبنانيّ وإحياء المؤسّسات الدستوريّة وأجهزة الدولة، وتعزيز عمليّة الإصلاحات المطلوبة”، كما شددوا على عدم جواز بقاء “التكليف من دون تأليف ولو لفترة قصيرة باقية من عمر العهد”، مؤكدين على أهمية “عدم سيطرة أي حزب على الحكومة الجديدة”، ومناشدين كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف “التعاون الوثيق للخروج بحكومة تثبّت كيان المؤسسات الدستورية وتمنع أي طرف أن يحكم البلاد من خلال حكومة مرمَّمة“.
ولمناسبة انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، أكدت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان “أهمية انتخاب رئيس جديد ضمن الإطار الزمني الذي نص عليه الدستور”، وأن يكون بمقدور الرئيس الجديد للجمهورية “توحيد الشعب اللبناني والعمل مع الفاعلين الإقليميين والدوليين كافة على تجاوز الأزمة الاقتصادية والإنسانية بما يخدم المصلحة العامة من خلال البدء الفوري في تمهيد الطريق لتطبيق إصلاحات شاملة والتوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي”، معتبرةً في بيان أنّ “الوقت حان للسياسيين اللبنانيين للتوصل على نحو عاجل إلى توافق وطني واسع يجنب البلاد فراغاً متعدد المستويات في السلطة التنفيذية“.