سيعود ملف ترسيم الحدود إلى الأدراج بعدما كان الحاضر الأول في الأسابيع الأخيرة بفعل الرفض الإسرائيلي الذي استجد بعد إرسال لبنان ملاحظاته وتعديلات إلى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين. إلّا أن الانقسام الداخلي في إسرائيل حول القضية والانتخابات الاسرائيلية هما السببان المرجّحان لتطيير الإيجابية الإسرائيلية وليس المطالب اللبنانية، وبالتالي من المتوقّع أن يبقى الملف مجمّداً إلى ما بعد الاستحقاق الإسرائيلي للبتّ به.
لن يتراجع لبنان عن التقدّم الذي حققه في الملف مبدئياً، وسيبني عليه حالما تنتهي تل أبيب من ترتيب أوراق الحكم فيها بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة، إلّا أن عودة زعيم المعارضة بنيامين نتانياهو إلى السلطة في حال فاز حزب الليكود بالاستحقاق قد يخلط الأوراق من جديد في حال بقي على موقفه الرافض للاتفاق، والذي يعتبره استسلاماً للبنان وحزب الله، وعندها سيعود الملف إلى المربّع الأول.
لكن الصورة ليست بالسوداوية المطروحة، بل إن المفاوض الأميركي لم يكشف عن كامل أوراقه، وضغط أزمة الغاز في أوروبا والتصعيد الروسي سيكونان ضمن العوامل المسرّعة لعقد الاتفاق وبدء التنقيب والاستخراج في منطقة شرق البحر المتوسّط. كما أن عودة رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد إلى سدّة الحكم ستعني الاستمرار بالمفاوضات من حيث توقّفت، لكن لبنان سيخسر شهراً إضافياً في هذه الحلقة الفارغة.
داخلياً، استسلم الجميع لفكرة الفراغ المنتظر على كافة الأصعدة، فالانتخابات الرئاسية لن تتم قبل انتهاء عهد ميشال عون بحكم غياب التوافق، ولا أفق لتشكيل الحكومة مع اتساع الفجوة بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في ظل السقوف العالية التي يطرحها الأخير والمطالب التعجيزية، وسيقتصر دور مجلس النواب على انتخاب رئيسٍ للجمهورية بعد انتهاء العهد.
بالعودة إلى ملف ترسيم الحدود، أشار عضو كتلة التنمية والتحرير النائب محمد خواجة إلى أن “الانتخابات الإسرائيلية عامل أساسي في ما يحصل، وهجوم نتانياهو على لابيد ووزير دفاعه بيني غانتس اتهامهما بالتنازل يصب في السياق نفسه”.
وفي حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، لفت خواجة إلى أن “لابيد يتعرّض لضغط كبير من معكسر نتانياهو على إثر البروباغاندا التي يقودها الأخير، وقد يتأخر الملف حتى الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي في تل أبيب، لكني أستبعد تطيير الاتفاق بشكل كامل، فالأميركي مستعجل ويريد إنجازه، كما أن الغاز سيكون بديلاً للغاز الروسي، وإلى ذلك، واشنطن لا تريد توتراً وحرباً في المنطقة، وبالتالي تعطيل تدفق الغاز إلى أوروبا”.
واعتبر خواجة أن “خيار الحرب وارد، وإذا أراد الإسرائيلي التنقيب الاستخراج من حقل كاريش فذلك قد يكون فتيل حرب، خصوصاً وأننا ممنوعون منذ أكثر من 12 عاماً من التنقيب والاستخراج”، لافتاً إلى أن “الأيام كفيلة بتبيان حقائق عن البلوك رقم 4 الذي مُنعنا من الاستخراج منه”.
وشدّد على أن “الموقف اللبناني ينطلق من حقوقنا، وهذه ثروات لا يمكن التنازل عنها، كما أن الملاحظات التي تم تقديمها وفق التسريبات ليست شكلية، بل إنها محورية، فخط العوامات الذي تريد إسرائيل اعتماده ليس تفصيلاً، كما أن حقل قانا للبنان بشكل كامل، ولا شيء لهم فيه”.
وعن احتمال وجود فراغ رئاسي ووزاري عندما يحين موعد الاتفاق، ذكر خواجة أن “حكومة تصريف الأعمال موجودة، الموضوع وطني كبير يستأهل اجتماع مجلس الوزراء حتى ولو كانت الحكومة تصرّف أعمالاً”.
أما وعلى الخط الحكومي، فقد كشف عضو كتلة “الاعتدال الوطني” النائب سجيع عطية معلومات لـ”الأنباء” مفادها أن “لا حكومة في الأفق، وعلى الرغم من غياب التوافق والفراغ الطويل الذي ينتظرنا، فإن لبنان أقرب لانتخاب رئيسٍ منه إلى تشكيل حكومة جديد”، لافتاً إلى أن “خلاف يتمحور حول مطالب باسيل والحصص التي يريدها”.
وعن جلسة انتخاب رئيس جديد في 13 تشرين، توقّع عطية ألا يكتمل نصاب الجلسة فلا تنعقد، “ولكن في حال إتمام النصاب، فإننا سنشارك وسنصوّت “لبنان” مبدئياً، ولكن بانتظار ما يستجد الأسبوع المقبل”.
إذاً دخلت الملفات اللبنانية مرحلياً في ثلاجة الانتظار بانتظار استحقاقات أكبر منه تبدأ في تل أبيب ولا تنتهي في طهران، وسيكون من الصعب التنبؤ منذ الآن بما تخبئه الأيام المقبلة لكل هذه الاستحقاقات.