ينتظر «تكتل التغيير» إعلان وفاته. وما الحديث عن محاولات إنعاشه الأخيرة إلا للقول إننا فعلنا ما بوسعنا. التمسك بصيغة الـ13 لم تعد واردة، فالجميع بات مقتنعاً بخطأ التعامل مع التكتل وكأنه «زواج ماروني». إذ شكلت الخلافات عاملاً جوهرياً في الانقسام الذي أخرجه إلى الضوء الموقف من الدعوة إلى العشاء لدى السفيرة السويسرية في بيروت، وسط توقعات بأن يتفرع عن تكتل الـ13 تكتلان بصيغة (9 – 4) أو (8 – 4 -1).
لم تكن دعوة العشاء في السفارة السويسرية الموجهة للنائب إبراهيم منيمنة إلا سبباً لخروج خلاف نواب «تكتل التغيير» إلى العلن. علم التكتل بالعشاء وبحضور منيمنة من الإعلام، ما أثار حفيظة غالبية زملائه وعلى رأسهم وضاح الصادق الذي اعتبر أن أحداً لا يمثله في لقاء السفارة السويسرية. وتؤكد مصادر في «التكتل» أن «منيمنة، بعد اشتعال الخلاف أمس، أوضح لعدد من زملائه أن الدعوة وجهت إليه بصفة شخصية وليس نيابة عن التكتل، وليس لديه الكثير من المعطيات عن خلفياتها». لكن ذلك لم يكن كافياً لتهدئة النفوس. فأبعد من مسألة وجوب إبلاغ الزملاء بالدعوة ونقاشها، تختلف مكونات التكتل حيال صوابية النقاش لتطوير نظام الحكم والوصول إلى عقد اجتماعي جديد. علانية أكد كل من وضاح الصادق وياسين ياسين تمسكهما باتفاق «الطائف»، ومعهما آخرون يهمسون بذلك سراً. تقاطع هذا الموقف وتصريح السفير السعودي وليد البخاري عن أهمية «الطائف»، وهو الذي زار بعبدا وعين التينة على عجل أمس لقطع الطريق على أي عقد تأسيسي جديد للبلد.
وعلى النقيض، يرى فريق من التكتل أن «على اللبنانيين خوض النقاش والاتفاق من جديد على النظام الأكثر تماشياً ومتغيرات البلد في الثلاثين عاماً الماضية». ينطلق هذا الفريق من أن «النظام بشكله الحالي يعرقل الحياة السياسية التي تحتاج في كل مرة إلى تسويات داخلية وخارجية لإعادة تحريك مياهها الراكدة. وأن أفضل مكانٍ للتفكير بالخيارات هو مجلس النواب الممثل لمختلف شرائح المجتمع». في حين أن الكل أجمع على أنه لو تلقى الدعوة كان سيتخذ الموقف منها تبعاً لـ«الأجندة» المطروحة، وطبيعة اللقاء وما إذا كان تشاورياً عابراً، أم منطلقاً ليؤسس لما هو أبعد، أم محصوراً بقضايا معينة، وضمن حدود السيادة وبعد إعلام التكتل.
عموماً فإن تلبية الصادق لعشاء البخاري ومقاطعة منيمنة له، ومعارضة الصادق للعشاء السويسري وميل منيمنة إلى حضوره، بمعزل عن الرأي في صوابية هذه أو تلك، هي صورة تعكس طبيعة الاختلافات الأساسية التي يمكن تعميمها بين مكونات التكتل. هؤلاء نتاج مجتمع معقد شرائحه لا تشبه بعضها بشيء. حملوا تعقيداته إلى ساحة «انتفاضة تشرين» فكانت شوارع وساحات كل واحدة لها هتافاتها ومشروعها السياسي والاقتصادي المناقض تماماً لبقية المشاريع، ولكل منها خطوطها الحمر، تحديداً في العلاقة مع الخارج ودور سفرائه في الحياة السياسية. وبتسوية شبيهة بتسويات الأحزاب التقليدية خاضوا الانتخابات النيابية بسقف الحد الأدنى من التوافق في ما بينهم. ومع فوزهم بـ13 مقعداً نيابياً قرروا العمل تحت سقف تكتل واحد، في استكمال لعملية استغفال الناخبين، الذين اعتبر كل منهم أنه صوّت لمشروع من يمثله في اللائحة. هذا الواقع فرض إيجاد آلية عمل لتجنب مطبات التفجير المتتالية. وهنا انقسم الرأي مجدداً: فريق يطرح آلية التصويت لاتخاذ القرارات بالأكثرية، وهو فريق غالب عددياً وفيه 9 أعضاء (وضاح الصادق، مارك ضو، نجاة صليبا، الياس جرادة، بولا يعقوبيان، ميشال الدويهي، ياسين ياسين، رامي فنج وملحم خلف)، ومتجانس إلى حد ما في الطروحات السياسية، وفي حال وقوع الطلاق المرتقب يشكّل بحسب مصادر مواكبة «كتلة أو فريقاً قد لا يستمر معهم ميشال الدويهي على خلفية رؤيته الاقتصادية المختلفة عن تلك المطروحة من قبل البقية». وفريق مقابل يرى في التوافق حلاً أمثل لاتخاذ القرارات ويتمثّل بـ4 أعضاء (حليمة القعقور وإبراهيم منيمنة وفراس حمدان وسينتيا زرازير). وفي حال قرر الدويهي أن يستقل عن الفريقين نكون أمام صيغة (8 – 4 – 1).
في الخلاصة، لكل فريق حجته. المؤيد للتصويت يعتبر أن الأمور لا يمكن أن تبقى رهن «فيتو» الأقلية. والمعارض للتصويت يعتبر أن «التصويت بالأغلبية يحتاج لأن نكون حزباً واحداً يحمل مشروعا واحداً». لذلك، قد يكون انفراط التكتل هو لحظة الصدق المتوجبة على النواب حيال ناخبيهم.