مع ان شيئا لم يكن مفاجئا في الجلسة الثالثة من جلسات انتخاب رئيس الجمهورية المقبل ضمن #المهلة الدستورية التي تقترب من نهايتها في آخر تشرين الأول الحالي، فان الوقائع المباشرة التي تخللتها أدت الى تظهير انكشاف فريقين احدهما يعطل عمدا و”بالابيض” الفاقع المعركة الديموقراطية للاستحقاق، والثاني صار من حيث يدري او لا يدري يخدم نهج التعطيل بما يمكن ان يتطور معه وضعه نحو الأسوأ. فاذا كان تراجع “الكتلة البيضاء” امس الى 55 ورقة بدلا من 63 لا يعني ان قوى “محور الممانعة” بدأت نهجا مختلفا عن تعطيل الاستحقاق، فان “كتلة” شعار “لبنان الجديد” بغالبية أعضائها المنضوين ضمن “تكتل النواب التغييريين” باتت غداة الاهتزازات الداخلية في صفوفها تثير مزيدا من الريبة حيال المنحى التي تمضي فيه وتضعف إمكانات ازدياد فرص إيصال مرشح المعارضة وتخدم تاليا اتجاهات الكتل “الممانعة” كما لو انها شريكتها في تعطيل الاستحقاق والدفع به نحو الفراغ الحتمي. حتى ان جهات سياسية بدأت ترسم تساؤلات من نوع “متطور” اخر على خلفية ما تردد عن لقاءات تجرى وراء الكواليس من نوع هل يتجه “التغييريون” الى صفقة مع كتل المحور الممانع لبلورة مرشح لهذه الصفقة تحت زعم “توافقي” حين تزف ساعة ملائمة ؟ واذا كان هذا الاحتمال مستبعدا من زاوية مراقبين ومطلعين، اقله وفق المؤشرات الحالية، الا ان ذلك لا يحجب تصاعد الاحتقانات التي برزت بوضوح امس والمرشحة للتصاعد مع الجلسة الرابعة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري الاثنين المقبل، وهي احتقانات كانت متوقعة بعد ارتفاع رصيد الأصوات المؤيدة لمرشح المعارضة النائب ميشال معوض وصار يوازي ثلث حجم أعضاء المجلس بما يوسع الطريق امام فرصه لو انضم “التغييريون” كجزء أساسي من المعارضة النيابية الى معركة إيصال مرشح المعارضة . ولكن المشهد الذي اعقب جلسة التصويت سرعان ما رسم المسار المأزوم ان لجهة مسارعة كتلتي “الوفاء للمقاومة” و”التيار الوطني الحر” الى “قيادة” حركة افقاد نصاب الثلثين في الدورة الثانية وان لجهة انكشاف البلبلة الهائلة التي تطبع سلوكيات وقرارت ومفاجآت “تكتل التغييريين”. وإذ احتفظ الرئيس بري دستوريا بحقه في إدارة الجلسات ضمن العشرة أيام الأخيرة من المهلة الدستورية لكونه دعا الى الجلسة قبل اليوم العاشر للانعقاد الحكمي قبل نهاية المهلة وفق المادة 70 من الدستور كما دعا الى الجلسة المقبلة الاثنين فان الجانب الشكلي “الطقوسي” بدأ يطغى على الجلسات ويجعلها بمثابة ملء للوقت القصير المتبقي في انتظار حلول الفراغ الرئاسي، الامر الذي ادخل البلاد في نفق ازمة بالغة الخطورة في تداعياتها وتردداتها خصوصا مع التهويل المتعمد من جهات تقيم على السلطة وتبشر بفوضى ابعد من الفوضى الدستورية والاجتماعية .
الجلسة الثالثة
اذا خلصت الجلسة الثالثة لانتخاب رئيس للجمهورية الى نتيجة معروفة سلفا كما كان متوقعا، كان البارز فيها ارتفاع عدد مؤيدي المرشح ميشال معوض في مقابل تراجع النواب “التغييريين” بحيث لم يسموا احدا بل دونوا عبارة “لبنان الجديد” على اوراقهم مع بضعة نواب اخرين من نواب “كتلة الاعتدال الوطني”. ونال النائب ميشال معوض 42 صوتا، وكان يفترض ان تكون 44 لولا غياب النائبين شوقي الدكاش وايهاب مطر، فيما جمع شعار “لبنان الجديد” 17 صوتا، وصوتت كتل محور “الممانعة” بـ 55 ورقة بيضاء. وقبيل انطلاق الجولة الثانية، تبين فقدان النصاب بسبب خروج نواب فريق 8 آّذار، فدعا بري الى جلسة جديدة في الحادية عشرة قبل ظهر الاثنين المقبل في 24 الحالي.
وسجلت سخونة سياسية لافتة عقب الجلسة اذ أعتبر النائب جورج عدوان باسم “تكتل الجمهورية القوية”، “أن 56 نائبًا لم يتمكنوا من الاتفاق على اسم مرشح وليست لديهم الجرأة للانتقال إلى الدورة الثانية لخوض انتخابات #رئاسة الجمهورية”. واكد ان “ميشال معوّض يُراكم الأصوات كما تبيّن أن 22 نائبًا ضايعين بأمرهم وفي حيرة”. ولفت عدوان إلى أنه “يضع الأرقام التي انتجتها جلسة البارحة برسم الرأي العام اللبناني للتأكيد أنه من الممكن انتخاب رئيس صنع في لبنان، وكذلك برسم من انتخبوا التغييريين ليطلبوا منهم حسم خيارهم وانتخاب رئيس”. ولفت الى “اننا ندور في حلقة مفرغة منذ عام 2005 حول سلاح “حزب الله” وعندما يقول إنّه تحت سقف القانون والدستور نجلس على الطاولة لنُحاور” وقال “النواب الـ22 هم من يُعطلون التغيير ورسالتي إليهم أن يحسموا خيارهم قبل يوم الإثنين والإنسان الديموقراطي عليه أن يقبل بالخيارات المطروحة فهناك مرّشح حصل على 44 صوتًا وعليكم دعمه، والحوار يجب أن يكون تحت سقف القانون والدستور وهذه المرة في لبنان وليس خارجه وبعد انتخاب رئيس للجمهوريّة”.
غير ان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل اكد، “أننا ما زلنا نعمل على توحيد صفوف المعارضة على اسم واحد”، آملا “مع اقتراب نهاية الشهر ان نقترب اكثر بالافكار”.
في المقابل، حاولت النائبة بولا يعقوبيان تبريرموقف التكتل التغييري فقالت ان : “أحزاب السلطة صاروا مضحكين لتحميل المسؤولية للنواب التغييريين والبلد في انهيار ولا نزال نعيش مسرحية “سمجة” وقمنا بمبادرة وضحّينا فيها من رصيدنا لنحذّر من الفراغ ولنطالبهم بعدم الوصول إليه”.
اما المرشح ميشال معوض فأكد أنه “لا ينتظر التسويات والمساومات الاقليمية والدولية، والكلام عن حرق اسمه غير صحيح على الرغم من كل الحملات التي يتعرض لها” . وقال “يوم حرقوني ويوم اشتروني ويوم باعوني إلا أنني المرشح الجدي الوحيد وبالرغم من محاولات القصف، تبيّن أن الترشيح الجدّي الوحيد الموجود هو ترشيحي”. وقال “هناك فريق جدّي يشارك بانتخاب رئيس للجمهورية وهناك فريق آخر يحضر إلى مجلس النواب ليس لانتخاب رئيس بل ليظهر بصورة غير المعطّل .. وقد حققنا تقدمًا نوعيًا وانتقلت من 36 الى 42 صوتا في غياب نائبين هما شوقي الدكاش وايهاب مطر كانا سيصوتان لصالحي”. وشدد معوض على “ضرورة توحيد المعارضة والسماح بخلق وفاق وطني حقيقي” ورأى أن “لبنان بحال من الانهيار ويحتاج إلى وقف التكاذب ويريد الوفاق الحقيقي على أسس اعادة ربطه بالعالم والعالم العربي والقبول بالحياد الايجابي وعودة الجميع إلى الدولة وسيادتها” مؤكدا أن “طرحه انقاذي واضح ورأيه واضح في الملفات كافة”. كما أشار إلى أنه “إذا أصرينا على رئيس بأكثرية الثلثين فهذا يعني أننا نريد رئيساً خاضعاً لا رأي له بشيء وهذا معناه استمرار انهيار الليرة أما الأمور الباقية كتعديل جملة على قانون وغيرها ستبقى أموراً استعراضية”. وتوجه معوّض لقوى المعارضة، قائلا ؛اذا فعلا أردنا التغيير علينا أن نجمع المعارضة، وبعض التبريرات التي قُدّمت فيها الكثير من الازدواجية وليس هكذا نقوم بالتغيير بل نبدأ بتوحيد المعارضة”.
وفي وقت لاحق شجب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أداء بعض الافرقاء السياسيين في المعارضة حيال انتخابات رئاسة الجمهورية وحملها مسؤولية ولو جزئية بوصول البلاد الى الفراغ معتبرا ان “الفريق الأساسي الذي يتحمل مسؤولية الفراغ الرئاسي هو بالطبع فريق الممانعة الذي يصوت بورقة بيضاء ويجاهر بذلك علانية مدعيا ان سبب خياره هذا هو عدم توافر الوفاق”. ولفت الى انه لو اضفنا الأصوات ال 22 (في جلسة البارحة )على الأصوات التي لدى ميشال معوض لوجدنا انه سيصبح لديه 66 صوتا …ولكان لم يعد في امكان الفريق الاخر تعطيل النصاب الى ما شاء الله “. ودعا النواب ال22 الذين حرقوا أصواتهم امس الى انتداب لجنة تمثلهم حتى نقوم بالتفاوض معها .
واوفد جعجع عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب ملحم الرياشي، الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في كليمنصو، بحضور النواب أكرم شهيب ووائل بو فاعور وراجي السعد وتناول البحث ملف رئاسة الجمهورية في ظل مجريات الجلسة امس .
بين بعبدا والسرايا
في غضون ذلك لم يطرأ أي جديد على صعيد الجهود الجارية للتوصل الى تسوية حكومية بين بعبدا والسرايا قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في حين تزداد احتمالات فشل هذه الجهود وبقاء حكومة تصريف الاعمال باعتراف من معظم القوى الداخلية باهليتها وصلاحياتها لتولي مرحلة الفراغ باستثناء “التيار الوطني الحر”. ولفتت في هذا السياق المعلومات التي اشارت الى ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي سيرأس وفد لبنان الى القمة العربية التي تنعقد مطلع تشرين الثاني المقبل في الجزائر ويضم اليه وزير الخارجية عبدالله بوحبيب وعددا من المستشارين، على ان يسبقه الى هناك الاسبوع المقبل الوزير بوحبيب للمشاركة في اجتماعات وزراء الخارجية العرب.
ولكن الجهود الحكومية لم تتوقف وسجل امس اجتماع بين الرئيس ميقاتي والمدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم الذي يتولى الحركة المتواصلة على الخط الحكومي. كما رأس ميقاتي اجتماعاً خُصّص للبحث في التحضير لموازنة العام 2023 قبل ظهر امس في السرايا شارك فيه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل.
رد الطعون
في غضون ذلك اعلن رئيس المجلس الدستوري القاضي طنّوس مشلب ردّ المجلس 5 طعون نيابيّة بالإجماع وهي الطعون المقدمة من كل من بول حامض ضد الياس الخوري (طرابلس) ومحمد شفيق حمود ضد بلال الحشيمي (زحلة) وابراهيم عازار ضد سعيد الأسمر (جزين) وطانيوس محفوظ ضد جميل عبود (طرابلس) و”الأمل والوفاء” ضد فراس حمدان (حاصبيا مرجعيون). واعلن مشلب:” التكهنات لم تكن في مكانها ولم يسألني شخص عن أي ملف أو يُمارس أي ضغط عليّ”. وسيصدر المجلس في الأيام المقبلة قراراته في عشرة طعون أخرى .