بالتزامن مع انتزاع لبنان حريته في التنقيب والاستخراج، وصولاً إلى «الخط 23+»، والتوقيع الرسمي على الاتفاق في الناقورة، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن «المهمة أنجزت» بعدما نجحت المقاومة في المهمة التي ألقتها قيادتها على عاتقها، معلناً انتهاء التدابير والإجراءات والاستنفارات الاستثنائية والخاصة بملف المفاوضات والتي قامت بها المقاومة منذ عدة أشهر، إما لمنع العدو من استخراج الغاز في حال حاول ذلك قبل حصول لبنان على حقوقه، ولمواجهة أي اعتداء إسرائيلي. وأكد نصرالله أن المهمة انتهت «بانتصار كبير وكبير جداً للدولة والشعب والمقاومة في لبنان، وكانت تجربة مهمة وغنية جداً تستحق التوقف عندها وعند نتائجها ودلالاتها» وهو ما سيتناوله في كلمة له مساء غد.
وبما لا يقل أهمية، أكد الأمين العام لحزب الله أن «أي كلام عن التطبيع والاعتراف هو تجن»، مشيراً إلى أن المسؤولين في الدولة اللبنانية «لم يقدموا على أي خطوة تعطي شبهة تطبيع»، في تأكيد على أن لبنان انتزع حقوقه من دون أن يقدم ثمناً سياسياً يتصل بهويته وموقعه في الصراع مع إسرائيل، وهو هدف كان يسعى إليه الأميركي والإسرائيلي على حد سواء. ومن أبرز هذه المؤشرات رفض لبنان صورة مشتركة مع الوفد الإسرائيلي في الناقورة، إضافة إلى حرصه على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع العدو.
من جهته، أكّد رئيس الجمهورية ميشال عون أن «إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني ليست له أي أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية التي ينتهجها لبنان في علاقاته مع الدول». وشدد على «أننا أخذنا حقنا بالترسيم وزيادة، والترسيم سيسمح باستخراج الغاز والنفط لإخراج لبنان من الحفرة. هذه هديتي للبنانيين قبل أن أغادر». وأكد «أننا قمنا بترسيم الحدود كي لا نقع في حرب، وهو نتيجة مصلحة واستقرار وليس نتيجة سلام مع إسرائيل، ولا توجد أي ورقة أو إمضاء أو أي شيء آخر في عملية توقيع اتفاق الترسيم تؤدي إلى اتفاق سلام».
ووقّع عون في قصر بعبدا أمس رسالة تحمل موافقة لبنان على مضمون الرسالة الأميركية عن نتائج المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية التي سلمه إياها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين، وهي تؤكد أن «لبنان حصل على الحقول المحددة في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية كاملة والتي كان أودعها الأمم المتحدة العام 2011 واعتمدت في المرسوم الرقم 6433».
بعد التوقيع، توجّه أعضاء الوفد اللبناني الرسمي إلى الناقورة لتسليم الرسالة الرئاسية إلى هوكشتين، وتسليم ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جوانا فرونتيسكا رسالة وقعها وزير الخارجية تتضمن تأكيد الإحداثيات المرتبطة بالحدود البحرية اللبنانية لإيداعها الأمم المتحدة وفقاً للآليات المتبعة في قانون البحار. وضم الوفد المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، مفوض الحكومة لدى قوات اليونيفيل العميد منير شحادة، عضو مجلس إدارة هيئة النفط وسام شباط ورئيس مركز الاستشارات القانونية في وزارة الخارجية والمغتربين السفير أحمد عرفة.
وكان الرئيس عون اجتمع بالوفد قبل الظهر، وتم رسم توجهات تفصيلية تتعلق بالشكليات، منها ضرورة التثبت من عدم وجود أي كاميرات تصوير أو استخدام الهواتف من قبل الحضور في الاجتماع، وعدم التحدث مع الوفد الإسرائيلي تحت أي ظرف، ومنع أي عضو من الوفد الإسرائيلي من الاقتراب من طاولة الوفد اللبناني. وعدم التعامل مع الوفد الإسرائيلي بأي نوع من الإشارات الودية، وصولاً إلى أنه من الأفضل عدم النظر صوبهم.
وخلال الاجتماع وصلت معلومات عن وجود خرق إسرائيلي للمياه الإقليمية، وتصرف لبنان معها على أنها رسالة مقصودة من جانب العدو. فطلب من الوفد البقاء في باحة مهبط المروحية وعدم التوجه إلى الخيمة، وطلب إلى العميد شحادة التواصل مع الجهات الدولية التي قالت إنه لم يحصل خرق، لكن شحادة قال إنه ينتظر الأمر من قيادة الجيش اللبناني التي أخذت بعض الوقت قبل أن تؤكد تراجع زوارق العدو بعيداً عن المياه الإقليمية.
وعندما حاول الوفد الإسرائيلي خلال الاجتماع التوجه بالكلام إلى الوفد اللبناني شاكراً، لم يلتفت إليه الوفد اللبناني الذي سارع إلى تسليم الوسيط الأميركي ومنسقة الأمم المتحدة الرسائل والتوجه إلى خارج الخيمة، حيث رافقهم هوكشتين وأخذ معهم صورة تذكارية. بينما اقتصرت الصور داخل الخيمة على لقطة لشقير وهو يسلم هوكشتين رد الرئيس عون وصورة أخرى عند تسلم هوكشتين الرسالة الإسرائيلية.
وقد عمل فريق أميركي ودولي على التثبت من عدم وجود أي مصور إلا واحد يمثل الأمم المتحدة الذي منع من التقاط صور عامة تجمع الوفود الثلاثة، وهذا ما يفترض أنه حصل.
وسلم الوفدان اللبناني والإسرائيلي الوثيقة إلى الوسيط الأميركي في غرفة كل على حدة، في حضور فرونيتسكا والسفيرتين الفرنسية آن غريو والأميركية دوروثي شيا. وتزامنت عملية التسليم مع تدابير مشددة اتخذها الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.
إسرائيلياً، ومع استكمال المسارات القانونية في كيان العدو واختتام الإجراءات التي أنهت مرحلة من المفاوضات غير المباشرة، بدأت الحكومة هجوماً مضاداً على المعارضة في التوظيف السياسي الداخلي للاتفاق الذي يأتي قبل 5 أيام من الانتخابات العامة. ومن المرجح أن تشهد الأيام المقبلة الكثير من المواقف التي تبالغ في «إنجازات» الاتفاق إسرائيلياً.
وأقرت الحكومة الإسرائيلية، في جلسة خاصة أمس، اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان بعد أسبوعين من عرضه على الكنيست. في بداية الجلسة قال لابيد: «الاتفاق يحصّن أمن إسرائيل وحرية عملها في مواجهة تهديدات حزب الله في الشمال»، ووصفه بأنه «إنجاز سياسي… ليس في كل يوم تعترف دولة معادية بدولة إسرائيل في اتفاق مكتوب أمام المجتمع الدولي»، في موقف تفوح منه رائحة المبالغة لأهداف انتخابية. إذ إنه لم يدّع مثل هذا الكلام في ذروة السجال على الاتفاق مع رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، واختار الإدلاء به في يوم التوقيع على مسافة أيام من الانتخابات.
بعد ذلك، انتقل الوفد الإسرائيلي إلى الناقورة. ولفت موقع «يديعوت» إلى أنه لم يتم أخذ صورة مشتركة مع الوفد اللبناني «لأن لبنان معني بعدم الإيحاء بأي نوع من التطبيع بين الطرفين». وضم الوفد الإسرائيلي مدير عام وزارة الطاقة، ليؤت شيلت، وعضو مجلس الأمن القومي، أفيفيت بار إيلان، ورئيس الجهاز السياسي في وزارة الخارجية، عليزه بن نون، وممثل قسم التخطيط الاستراتيجي في الجيش ومندوب المستشار القضائي لوزارة الخارجية، الذين رافقوا المفاوضات.
وفي خطوة كشفت ارتداع إسرائيل بفعل تهديد المقاومة، رغم أنها حاولت في الشكل الإيحاء بخلاف ذلك، ذكر بيان صادر عن وزارة الطاقة الإسرائيلية أن إسرائيل بدأت أمس (الأربعاء) باستخراج الغاز الطبيعي من حقل «كاريش» في البحر الأبيض المتوسط، قبل يوم واحد من توقيع الاتفاق مع لبنان.
إلى ذلك، وصف الرئيس الأميركي جوزف بايدن الاتفاق بـ«التاريخي» الذي «سيؤمن مصالح كل من إسرائيل ولبنان، ويمهد الطريق لمنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً».