كان يوم البحر والنفط والغاز بالنسبة للبنان، ولم يعكر صفوه الحديث الإسرائيلي عن مكاسب فارغة، بينما كل قادة الرأي في كيان الاحتلال، وفي الداخل الأميركي يقولون علناً، لقد نال لبنان 100% من البنود المختلف عليها، وهو ما أكدته صحيفة نيويورك تايمز ليل أمس من مكتبها في القدس المحتلة، بينما كشف الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين في حوار تلفزيونيّ سرّ التراجعات الأميركية الإسرائيلية لصالح لبنان بقوله، إن الخشية من الحرب كانت خلف التوصل إلى التفاهمات، مشيراً الى أن الحرب كانت تهديداً واقعياً، وإنها لو وقعت لتعطلت كل حقول النفط والغاز ومعها التجارة الدولية في البحر المتوسط، بما فيها تعطيل تدفق موارد الطاقة بين الخليج وأوروبا.
في الناقورة كان المشهد كافياً للقول إن اليد اللبنانية هي العليا، حتى في الشكل، عندما رفض الوفد اللبناني المعني بتسليم رسائل الموافقة على الوثيقة الأميركية واعتماد إحداثيات الحقول، الدخول الى القاعة الرسمية في مقر الأمم المتحدة قبل أن يسحب جيش الاحتلال الزوارق الحربية التي تجاوزت الخطوط والإحداثيات التي ترسم حقوق لبنان، ما أجبر الإسرائيلي على الالتزام بالطلب اللبناني، لضمان إنجاز بلوغ نقطة النهاية في المفاوضات.
سياسياً، شرح نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، تفاصيل المفاوضات ومصاعبها ونقاط القوة اللبنانية، التي تمثلت بوحدة الموقف والاستثمار على اللحظة الدولية المؤاتية، وكان موقف المقاومة ومقدراتها بيضة القبان التي وضعت الأمور في نصاب الاختيار أن يحصل الجميع على الغاز أو عدم حصول أحد على أي شيء، وتوسع في تقديم الأدلة التي تقول إن لا تطبيع ولا اعتراف ولا تفاوض مباشر يمكن اتهام الدولة اللبنانية بالوقوع في محاذيرها.
الكلام المبدئي الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كان تقديراً للإنجاز واعتبار ما جرى تجربة نموذجيّة تستحق الدراسة، وأخذ الاستنتاجات منه، سواء لجهة ثبات الموقف الرسمي، أو لجهة استثمار قوة المقاومة ومشاركتها في حماية المصالح الوطنية، وأعلن السيد نصرالله إنهاء الاستنفار الخاص بملف النفط والغاز وحقول البحر، مشيراً الى نيته التحدث يوم غد السبت مساء عن كل ما يتصل بالملف.
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي قاد التفاوض وأعلن عن الإنجاز، ووقع رسالة الموافقة، تحدث عن الإنجاز ليلاً في حوار صحافي، وتطرق الى مواضيع عديدة من أبرزها الملف الحكومي فاتحاً الباب لتفاهم اللحظة الأخيرة قبل نهاية عهده، ملوحاً بتوقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة في نهاية المسار إذا بقي البلد دون حكومة.
وأعلن السيد نصرالله انتهاء مهمة المقاومة وكل التدابير والإجراءات التي كانت متخذة سابقاً في الجانب المتعلق بها في ملف ترسيم الحدود. مؤكدًا أنّ ما حصل هو انتصار كبير وكبير جداً للبنان الدولة والشعب والمقاومة. ولفت إلى أنّ هناك «مَن طقت الفيوزات تبعن» بسبب ما حصل والنتائج التي لم يكونوا يتوقعونها وبدأوا يتحدثون بجمل غير مفهومة نتيجة الصدمة».
وأضاف: «وقائع توقيع ترسيم الحدود من ناحية الشكل تؤكد أنّ أيّ حديث عن التطبيع لا أساس له وهو تجنّ، وكل ما حصل هو مفاوضات غير مباشرة، والوفدان اللبناني و»الإسرائيلي» لم يلتقيا وتوقيع كل طرف سيكون على ورقة خاصة، وأنّ «هذا الذي وقعه فخامة الرئيس وسيتم ابلاغه في الناقورة هو ليس معاهدة دولية ولا ينطوي على تطبيع مع «اسرائيل» التي تعترف أنها لم تحصل على أي ضمانات أمنية».
وشدّد السيد نصر الله على حرص المسؤولين اللبنانيين على ألاّ يقدموا على أيّ عمل لو بالشكل يمكن أن يعطي شبهة تطبيع، مشيرًا إلى أن «العدو الإسرائيلي اعترف أنه لم يحصل على أي ضمانات أمنية في ملف ترسيم الحدود البحرية»، مؤكدًا أن «لبنان أنجز خطوة مهمة ستضعه أمام مرحلة جديدة في تاريخه».
وأعلن السيد نصرالله أنه سيؤجل الحديث عن وجهة نظر حزب الله حول ما جرى ودلالاته عن تقييم حزب الله لملف الترسيم إلى مساء السبت المقبل.
ودخل لبنان رسمياً نادي الدول النفطية العالمية، إذ بات بإمكان الشركات الأجنبية الثلاث العاملة في لبنان البدء بالحفر والتنقيب والاستخراج منذ اليوم.
وبعد مفاوضات شاقة وغير مباشرة تطلبت عقداً كاملاً بوساطة أميركية ورعاية أممية، وقع لبنان وكيان الاحتلال كل على حدة الرسالة الأميركية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية.
وكانت وسائل الإعلام تابعت وقائع يوم الترسيم الطويل وجولة الوسيط الأميركي ومواقفه ومواقف المسؤولين اللبنانيين في كل محطات ومراحل التوقيع.
وقد سلّم الوفد اللبناني الموفدَ الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين الرسالةَ الموقّعة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وفي غرفة أخرى، سلّم وفد الاحتلال الإسرائيلي أيضاً رسالتَه الموقّعة الى هوكشتاين.
وكان أعضاء الوفد اللبناني وصلوا إلى الناقورة قرابة الثالثة والدقيقة الـ 20 الى مقر «اليونيفيل» لتسليم الرسالة الرئاسية إلى هوكشتاين وتسليم ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا رسالة وقعها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، تتضمّن تأكيد الإحداثيات المرتبطة بالحدود البحرية لإيداعها الأمم المتحدة وفقاً للآليات المتبعة في قانون البحار. وضمّ الوفد مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير والعميد الركن منير شحادة مفوض الحكومة لدى القوات الدولية، وسام شباط عضو هيئة إدارة النفط وأحمد العرفة رئيس مركز الاستشارات القانونية.
وتأخّرت عملية التسليم عن موعدها قرابة الساعة بعد رفض الوفد اللبناني دخول الغرفة للتوقيع قبل انتهاء الخرق «الإسرائيلي» البحري.
وسبق مراسم الناقورة التي شاركت فيها سفيرتا الولايات المتحدة وفرنسا دوروثي شيا وآن غريو وممثلة الأمم المتحدة يوانا فرونتسكا، جولةٌ قام بها هوكشتاين على المسؤولين اللبنانيين. ثم استقبل الرئيس عون في قصر بعبدا هوكشتاين في حضور السفيرة شيا ونائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب ووزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب ومدير عام الأمن العام اللواء عباس. وتسلّم عون من الوسيط الأميركي الرسالة الأميركية الرسمية في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية الجنوبية التي تتضمّن حصيلة المفاوضات ونوّه هوكشتاين بدور عون في الوصول إلى هذه النتيجة والأخير شكر الوسيط على الجهود.
ووقع رئيس الجمهورية الرسالة التي تحمل موافقة لبنان على مضمون الرسالة الأميركية عن نتائج المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية. وقال «إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني ليست له أي أبعاد سياسية او مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول»، وبعدها، ترأس عون اجتماعاً لأعضاء الوفد المغادر الى الناقورة وزوّدهم بتوجيهاته.
ولفتت أوساط مطلعة لـ»البناء» أن كل بنود تفاهم الترسيم ووقائع المفاوضات غير المباشرة في المرحلة الماضية وفي الناقورة وطبيعة الوفد اللبناني وسلوكه، أثبت بأن تفاهم الترسيم ليس معاهدة ولا أي شكل من أشكال التطبيع ولا اعتراف بالعدو، وليس ترسيماً للحدود البحرية بل تحديد للمنطقة الاقتصادية، وبالتالي أسقط كل الاتهامات والادعاءات السياسية بأن لبنان سيعترف بالعدو. موضحة أن ذكر كلمة «إسرائيل» في الوثيقة الأميركية والأمم المتحدة لا يعني الاعتراف بها، بل سبق وذكرت كلمة «إسرائيل» في اتفاق الإطار واتفاق الهدنة. ولفتت الى أن المفاوضات غير مباشرة والتفاهم لم يمنح العدو أي ضمانات أمنية ولم يتضمن أي تعاون اقتصادي ولبنان ليس شريكاً بأي علاقة أو تعويضات بين شركة توتال التي ستعمل في حقل قانا والعدو، كما لم يجتمع الوفد اللبناني مع الوفد الإسرائيلي في الناقورة ولم يوقع على الوثيقة نفسها التي وقع عليها العدو.
وشددت الأوساط على أن وقائع الترسيم أكدت أنه جاء لمصلحة لبنان بالدرجة الأولى، حيث نال أكثر ما يمكن أن يناله في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والمالية الصعبة التي يعانيها لبنان وفي ذروة الحصار الخارجي عليه بشتى المجالات، حيث كان المعروض علينا الخط 1 الذي رسمه العدو وبالحد الأقصى خط هوف الذي رسمه الأميركي. مذكرة بالطريقة الساخرة التي تحدث بها الوسيط الأميركي هوكشتاين في أول زيارة له الى لبنان منذ أشهر قليلة، حيث قال إن على لبنان أن يقبل بما يُعرَض عليه لأن وضعه الداخلي وظروفه لا تسمح له الرفض.
وتضيف الأوساط الى أن أحد أهم أسباب الحصار الخارجي والضغوط والعقوبات على لبنان هو دفع لبنان للتنازل في ملفين: سلاح المقاومة وتحديداً تطوير الصواريخ الاستراتيجية والدقيقة، والتنازل في ترسيم الحدود. مشددة على أنه صحيح أن الحاجة الاوروبية للغاز والبحث الأميركي عن بديل عن الغاز الروسي وحاجة العدو الإسرائيلي لاستثمار حقل كاريش أسباب أدت الى توقيع الترسيم، لكن لولا تهديد حزب الله بالحرب الذي حصن الموقف اللبناني الرسمي لكان العدو بدأ الاستخراج في كاريش وفق المخطط والضرب بعرض الحائط كل التفاهمات. مذكرة بأن طاقم الشركة العاملة في كاريش جمّد أعماله فور تهديد السيد نصرالله لها وإرسال المسيرات.
وأكد بوصعب في حديث تلفزيوني أن وجود المقاومة وسلاحها والتهديد بالمسيرات شكل قوة دعم كبيرة للموقف الرسمي وساهم الى حد كبير بالإنجاز المحقق لكون الأميركيين والاسرائيليين بحاجة للاستقرار لاستخراج النفط.
واعتبر وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب، أنّ «الولايات المتحدة الأميركية هي الضامن لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و»إسرائيل»». وشدّد، في تصريح تلفزيوني على أنّه «إذا تم منعنا من التنقيب عن الغاز، لدينا القدرة لمنع «إسرائيل» التنقيب عن الغاز أيضًا».
وقبيل توقيع الوثائق، صدّقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي على الاتفاق، وذلك خلال اجتماع لمجلس الوزراء خُصّص للموضوع. وأعلن مكتب رئيس وزراء العدو يائير لبيد في رسالة قصيرة للصحافة، أوردتها «وكالة الصحافة الفرنسية» أن «حكومة «اسرائيل» وافقت للتو على الاتفاق بشأن الحدود البحرية بين «اسرائيل» ولبنان». وحاول لابيد التغطية على التراجع والتنازل الذي خضعت له حكومته تحت وطأة تهديدات المقاومة في لبنان واحتواء غضب معارضيه والادعاء بتسجيل انتصار، بقوله في مستهل الاجتماع: «ان لبنان اعترف بدولة «إسرائيل» في اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وهذا إنجاز سياسي، فليس كل يوم تعترف دولة معادية بدولة «إسرائيل» في اتفاق مكتوب أمام المجتمع الدولي بأسره».
في المواقف الدولية، هنّأ الرئيس الاميركي جو بايدن «»إسرائیل» ولبنان على إبرام اتفاقھما رسمیاً من أجل حلّ النزاع الحدودي البحري الذي طال أمده»، معتبراً «أن هذه الاتفاقیة تقرّبنا خطوة واحدة من تحقیق رؤیة لشرق أوسط أكثر أمانًا وتكاملاً وازدھاراً، ما سوف یوفر منافع لجمیع شعوب المنطقة».
وأطلق الرئيس عون سلسلة مواقف بارزة من جملة استحقاقات وملفات حوار على قناة «أل بي سي» مساء أمس، وشدّد على «أننا أخذنا حقنا بالترسيم «وزيادة» وثبتناه وأعطينا أملا جديداً للبنانيين والترسيم سيسمح باستخراج الغاز والنفط وهي الوسيلة لإخراج لبنان من الحفرة وهذه هديتي للبنانيين قبل أن أغادر، وقمنا بترسيم الحدود كي لا نقع في حرب، وهو نتيجة مصلحة واستقرار وليس نتيجة سلام مع «إسرائيل»، وهدفنا ترسيم الحدود البحرية بهذه المرحلة، ولاحقاً نبحث في ملف الحدود البرية مع «إسرائيل» بالحوار لأننا لسنا هواة حرب، ولا توجد أي ورقة أو إمضاء أو أي شيء آخر في عملية توقيع اتفاق الترسيم يؤدي الى اتفاق سلام».
وحول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قال: «طلبت تغيير حاكم مصرف لبنان ولكن لم أحظَ بموافقة ومحاربة الفساد صنعت لي عداوات عديدة، لمن يتهمون فريقنا السياسي بالفساد في ملفات كالكهرباء، والسدود، والتعيينات، ونتحدّى اليوم على الرغم من كل الوسائل التي يستخدمونها أن يثبتوا أن شخصاً من «الوطني الحر» سرق قرشاً واحداً وأنا تحدّيت العالم وفرنسا».
وأكد أن «حزب الله يتضامن معنا بصمت، وكان هناك نوع من المعاونة الصامتة بين التوأم حركة أمل وحزب الله الذي لا يمكن فصلهم لأنه سيسقط دم، لكننا نأخذ على حزب الله عدم الالتزام بالنقطة الرابعة بالاتفاق، لكن الموضوع الاستراتيجي يقتضي أن نبقى حلفاء، وبقاء السلاح له سبب ومن يقول بأنه يريد نزع سلاح الحزب هو خصم سياسي لهم». وأردف: «حزب الله ليس إرهابياً وعندما كنت في المانيا قيل «حزب الله الإرهابي» فسألتهم: أين مارس حزب الله الإرهاب؟». وتابع: «حزب الله لم يقم بالإرهاب وهو حارب وحرر وطنه من «إسرائيل» بعد أن سكت الجميع عن احتلال أرضنا».
وأعلن عون أنه «أنا على وشك توقيع مرسوم قبول استقالة حكومة نجيب ميقاتي، والحكومة الحالية لا تتمتّع بالثقة ولا يُمكنها أن تحكم وأنا على وشك توقيع مرسوم قبول استقالتها، ولا إرادة لميقاتي بتأليف حكومة ويجب ان تكون هناك وحدة في معايير التشكيل وسأعطي فرصة الى حين نهاية ولايتي».
وردّ ميقاتي على عون في بيان، وقال: «أشاطر فخامته القول إن الدستور هو الحكَم والفصل في كل القضايا، أما بشأن ما تحدث عنه فخامته من مسائل خاصة ووقائع مجتزأة ومحرّفة او غير صحيحة،… فاكتفي بالقول بأسف: أحياناً تخون كبارنا الذاكرة فتختلط الوقائع بالتمنيات والحقائق بالأوهام».
الرئيسية / صحف ومقالات / البناء: هوكشتاين يكشف سر التوصل للاتفاق غير المباشر: لو وقعت الحرب لتعطلت تجارة المتوسط لبنان يختتم المفاوضات بربط تسليم الرسائل بانسحاب زوارق الاحتلال إلى خلف الخطوط نصرالله يعلن الإنجاز وإلغاء الاستنفار… وعون يلوّح بمرسوم استقالة الحكومة: أخذنا حقنا بحراً