حزين حلّ عيد الاستقلال هذه السنة على اللبنانيين، فلا استعراضات عسكرية ولا احتفالات ولا استقبالات رسمية في القصر الجمهوري الذي نُكّست أعلامه، بسبب الشغور الرئاسي والفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وذلك بعد ست جلسات كانت كلها تشبه بعضها في ظل الفشل في انتخاب رئيس وإصرار فريق على عدم خوض الاستحقاق والاكتفاء بالورقة البيضاء بدلاً من ترشيح إسم قادر على انقاذ البلد كما فعل الفريق المؤيد لترشيح النائب ميشال معوّض.
الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية انعكس أيضاً فشلاً في تشكيل حكومة جديدة، والبلد متروك بعهدة حكومة تصريف أعمال بالنطاق الضيّق وممنوع عليها أن تجتمع حتى للموافقة على صرف مبلغ لنقل وقائع مونديال قطر بما يسمح للبنانيين مشاهدته.
في ظل هذا المشهد السوداوي، لا شيء في الأفق يؤشر الى الانتهاء من هذه المحنة في وقت قريب، فالناس في واد ومَن بيدهم الحل والربط في وادٍ آخر، وباتوا يخشون من إطالة أمد الشغور الرئاسي وأن يستمر تعطيل الاحتفال بعيد الاستقلال الى سنة جديدة أيضاً.
عضو تكتل الاعتدال الوطني النائب سجيع عطية تساءل حول كيفية الاحتفال بعيد الاستقلال في ظل الشغور في الرئاسة وعدم وجود حكومة وغياب التشريع في مجلس النواب واستمرار الانهيار الاقتصادي وهيمنة بعض القوى السياسية على الدولة ومصادرة قرارها.
عطية وفي حديث مع “الانباء” الالكترونية أشار الى أن المواقف السياسية ما زالت على حالها ولا شيء تبدّل من الخميس الفائت الى اليوم. كل فريق متمترس خلف مواقفه بانتظار ما قد يقدم عليه الفريق الآخر لاتخاذ الموقف المضاد، مضيفاً “في أيام الحرب كان يوجد خطوط تماس عسكرية واليوم تحوّلت الى خطوط تماس وهمية بانتظار بعض الدول لتسلّفنا مواقف تساعد على حل مشاكلنا بعد أن فشلنا باتخاذها، لكن هذه الدول لديها ما يكفي من المشاكل الداخلية ولم يعد لبنان أولوية بالنسبة لها. لقد ساعدتنا مرات عدة وآن الأوان كي نساعد أنفسنا”.
عطية الذي زار العاصمة الفرنسية قبل أيام، تحدث عن تراجع الحماس الفرنسي لمعالجة الأزمة اللبنانية، ومردّ ذلك الى عدم تجاوب اللبنانيين للمطالب الفرنسية. ففرنسا تشترط أن نساعد أنفسنا كي تساعدنا. وقال: “ما يهمنا اليوم كيفية الخروج من الأزمة وإقناع البنك الدولي بمساعدتنا للخروج من الأزمة”، سائلاً عن أي استقلال نتحدث؟ جازماً أن لا أحد يشعر بالاستقلال فالبلد مُصادَر من قبل النظام الطائفي.
من جهته، تساءل النائب السابق عاصم عراجي عبر “الانباء” الالكترونية: “كيف يمكن الاحتفال بعيد الاستقلال ولبنان بدون رئيس جمهورية وبدون حكومة”،واصفاً ما يحصل بالمعيب. وقال: “من المؤسف أننا تعوّدنا في العقدين الماضيين أن نتقن فن التعطيل في الرئاستين الاولى والثالثة، فبعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود بقي البلد بدون رئيس جمهورية حتى تسوية الدوحة ومجيء الرئيس ميشال سليمان وبعد انتهاء ولاية سليمان استمرينا في الشغور الرئاسي سنتين ونصف السنة، وهكذا دواليك، واليوم الأزمة مشابهة ولا توجد بوادر حلحلة. فالحل أصبح خارجي والخارج لم تعد تهمّه مشاكلنا. فهل يُعقل أن يُحرم اللبنانيون من مشاهدة المونديال من أجل 4 ملايين دولار؟ فلو كان الرئيس رفيق الحريري حياً لكان دفع المبلغ من جيبه”.
عراجي توقّع إطالة أمد الشغور الرئاسي بانتظار المساعي والاتصالات الخارجية، مقدّراً الجهود الفرنسية لمساعدة لبنان، مستبعداً التوصل لانتخاب رئيس جمهورية في وقت قريب، مذكّراً بأنه بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان عقد المجلس النيابي 45 جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية ولم نتمكن من ذلك الا بعد تسوية الدوحة وانتخاب عون وكذلك بعد انتهاء ولاية عون.
بموازاة كل ذلك، كل ما يهم اللبنانيون هو لقمة عيشهم ومصير سعر صرف الدولار وأي مستقبل بانتظارهم. وقد جاء الجواب بالأمس على لسان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كشف أن المصرف المركزي سيبدأ بالعمل بسعر الـ15000 ليرة مقابل الدولار ابتداء من أول شباط 2023 وسيصبح التعميمان 151 و 158 على 15000 بدل الـ 8000 والـ 12000 ابتداء من اول شباط، مضيفاً “نحن اليوم دخلنا في مرحلة توحيد أسعار الصرف وهذا بدأ بالدولار الجمركي الذي تقرر بشانه وزارة المالية مع الرسوم الأخرى والضرائب”.
هذا القرار سيكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة، فالبلد أمام مرحلة اقتصادية مفصلية، الأكيد فيها أن مرحلة الـ1500 ليرة قد ولّت الى غير رجعة.