هل هي رسالة من داخل الحدود ام عابرة لها ذات اتصال باهداف إقليمية وتحديدا ببريد عابر لتصفية الحسابات الإيرانية – الأوروبية ؟ وما لم تكتسب الرسالة الدامية التي أودت بجندي ايرلندي وجرحت ثلاثة اخرين هذا الطابع، فأي دلالات لاعتداء متعمد عن سابق تصور وتصميم أوقع بالية للوحدة الايرلندية بزعم انها ضلت الطريق المعتادة الى بيروت في منطقة الصرفند واستهدفت بزخة رشاش بسبع رصاصات؟ تبرأ “حزب الله” صاحب النفوذ الساحق غير المتنازع عليه في المنطقة من الاعتداء الدامي، ولكن ماذا عن “سرايا” أهالي المنطقة الذين يختبئ الحزب دوما وراءهم كلما حصلت إشكالات وصدامات مع “اليونيفيل” ؟ سواء كانت “سرايا” الأهالي وراء الاعتداء ام لا، ماذا عن “البيئة الحاضنة للمقاومة” الشديدة العدائية تجاه اليونيفيل خصوصا بعد الخضة التي اثارها تعديل في مهامها اقام “حزب الله” الدنيا ولم يقعدها ضده ؟
مجمل هذه التساؤلات أثيرت دفعة واحدة بإزاء اعتداء هو الأخطر على آلية تابعة للوحدة الايرلندية العاملة ضمن قوة اليونيفيل في جنوب لبنان في منطقة خارج بقعة عمليات اليونيفيل، الامر الذي رسم معالم رسالة دموية متعمدة اما لرسم خطوط حمر جديدة امام تحركات اليونيفيل، واما لاهداف ابعد ما دام يصعب تصور أي طابع فوري “عفوي” في الملابسات التي أحاطت بالاعتداء ليل الأربعاء. ورسمت في المقابل فورة واسعة من ردود الفعل اللبنانية الرسمية والسياسية المنددة بالاعتداء قلقا من تداعيات هذه “الرسالة” التي وان لم تذهب الاصداء حيالها الى التخوف بعد من سحب ايرلندا كتيبتها من اليونيفيل او أي دولة أوروبية أخرى، فان ذلك لا يعني انتفاء الاحتمالات السلبية المتصلة بما قد يتوصل اليه التحقيق المفتوح في الاعتداء. ومع ان المسؤول الأمني الأبرز في “حزب الله” برأ حزبه من الاعتداء فان كتلة الحزب تجاهلت الحادث تماما ولم تات على ذكره في بيانها مساء امس ولا دانته وكأنه لم يكن.
الاعتداء
وقد قتل جنديّ إيرلنديّ وإصيب 3 بإطلاق نار على قافلة لقوّات “اليونيفيل” منتصف ليل الاربعاء الخميس اثناء مرور قوات اليونيفيل في منطقة العاقبية متجهة الى بيروت، حيث تم اعتراض الدورية وقيل ان من اعترضها هم “من قبل أهالي المنطقة” واطلقوا النار عليها، “لاعتمادها مساراً غير مسارها العادي”. وكشف مصدر قضائي لـ”وكالة الصحافة الفرنسية” أنّ “سبع طلقات من رشّاش حربي، اخترقت آليّةً تابعةً للكتيبة الإيرلنديّة العاملة في قوّة الأمم المتحدة الموقّتة في جنوب لبنان، وأصابت إحداها السّائق في رأسه من الخلف”. وذكر أنّ “السّائق توفّي على الفور، فيما ارتطمت العربة بعمود حديد وانقلبت، ما أدّى إلى إصابة العناصر الثّلاثة الآخرين”، موضحًا أنّ “القضاء العسكري وضع يده على التّحقيق”. وأعلن الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي، أنَّ “جنديًّا في حفظ السلام قُتل الليلة الماضية وأصيب ثلاثة آخرون في حادث وقع في العاقبية وقريبًا من الصرفند، خارج منطقة عمليات اليونيفيل في جنوب لبنان” مضيفا “حتى الآن، التفاصيل حول الحادث متفرقة ومتضاربة، ونحن ننسّق مع القوات المسلحة اللبنانية، وفتحنا تحقيقًا لتحديد ما حدث بالضبط”.
واحدث الاعتداء صدمة واسعة عكستها ردود الفعل الرسمية والسياسية حيال مقتل الجندي الايرلندي وجرح ثلاثة من رفاقه . وأجرى رئيس مجلس النواب نبيه بري إتصالاً هاتفياً بقائد قوات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان اللواء أرولدو لازارو قدم فيه التعزية. من جانبه، أبدى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي “أسفه العميق للحادث الاليم”. وشدد على “ضرورة إجراء السلطات المعنية التحقيقات اللازمة لكشف ملابسات الحادث وعلى تحاشي تكراره مستقبلا” ، مناشدا “جميع الأطراف التحلّي بالحكمة وسعة الصدر في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن”. وأجرى رئيس الحكومة اتصالين بقائد الجيش العماد جوزف عون والقائد العام لليونيفيل الجنرال آرولدو لازارو واطلع منهما على ملابسات الحادث.
ووسط اتساع الادانات للاعتداء ، تبرّأ “حزب الله” من الحادث ودعا مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا إلى “عدم إقحام حزب الله في الحادث الذي وقع في العاقبية بين الأهالي واحدى سيارات اليونيفيل من الكتيبة الايرلندية”. وطالب صفا المجال للأجهزة الأمنية للتحقيق بالحادث، وأشار إلى” بعض تفاصيل الحادث كما نقلها الاهالي كاشفاً ان سيارة واحدة تابعة للقوة الايرلندية دخلت في طريق غير معهود العبور به من قبل اليونيفيل فيما السيارة الثانية سلكت الاوتوستراد الدولي المعهود المرور به ولم يحصل معها اي إشكال”. وتقدم صفا بالتعزية من قوات اليونيفيل لسقوط قتيل متمنياً الشفاء للجرحى في “الحادث غير المقصود”. وأجرى صفا إتصالاً بقائد اليونيفيل الجنرال أرولدو لاثارو “متقدماً بإسم حزب الله بالعزاء بالجندي الذي سقط من الكتيبة الإيرلندية ومقدماً التعازي والمواساة لها ولعائلة الجندي”.
في المقابل قال الرئيس الأيرلندي مايكل دي هيغينز “نحن، كشعب، فخورون جداً بسجلنا المتواصل في حفظ السلام مع الأمم المتحدة. ومع ذلك، يجب ألا ننسى أبداً مخاطر هذا العمل”. واعتبر رئيس الوزراء الأيرلندي ميهول مارتن “أننا نعمل في بيئة عدائية صعبة”.
وتلقى وزير الدفاع الوطني موريس سليم إتصالاً هاتفياً من وزير الدفاع الإيرلندي سيمون كوفني عبّر فيه عن قلقه من الحادث الذي أودى بحياة أحد جنود الوحدة الإيرلندية العاملة في إطار قوات “اليونيفيل” وإصابة ثلاثة آخرين حالة أحدهم حرجة. وقال الوزير كوفني إنه “على مدى عقدين من الزمن لم تتعرض الوحدة الإيرلندية لأي إعتداء. وهي تقوم بواجبها لحفظ السلام في المنطقة بكل اندفاع وإخلاص”. وأكد الوزير الإيرلندي “أهمية توصل التحقيق الى معرفة حقيقة وتفاصيل الحادثة المؤلمة نظراً لانعكاسها على الدور الذي تقوم به الوحدة الإيرلندية في اطار قوات اليونيفيل منذ عقود”.
كما تلقّى وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية والدفاع الإيرلندي سيمون كوفني، أعرب خلاله بوحبيب عن “إدانته الشديدة للحادث المؤلم الذي وقع في منطقة العاقبية جنوب لبنان وأودى بحياة جنديّين وسقوط عدد من الجرحى من الكتيبة الإيرلندية العاملة ضمن قوات اليونيفيل “. وأبدى بوحبيب أسفه لـ”الحادث الأليم وثقته بأن تحقيقاً دقيقاً قد بدأته السلطات اللبنانية بمشاركة قوات اليونيفيل لكشف ملابسات الحادثة كافة، وصولاً لمحاسبة المسؤولين عنها”.
من جهته، أبلغ الوزير الإيرلندي نظيره اللبناني بإمكانية إرسال لجنة إيرلندية لمتابعة التحقيقات، وبأنه سيقوم ببحث الموضوع مع الأمين العام للأمم المتحدة خلال اجتماعهما المزمع عقده على هامش زيارته حالياً لنيويورك.
ادانات دولية
وغردت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا عبر حسابها على “تويتر”، “حزنت كثيراً لوفاة الجندي الإيرلندي التابع لليونيفيل. أتقدم بأحر التعازي إلى عائلته وإلى رئيس بعثة اليونيفيل اللواء ارولدو لازارو وجميع جنود حفظ السلام في جنوب لبنان. وأتمنى للجرحى الشفاء العاجل. إن إجراء تحقيق سريع وشامل لتحديد وقائع هذه الحادثة المأسوية أمر بالغ الأهمية”.
ودانت الخارجية الفرنسية، في بيان وزعته السفارة الفرنسية، بـ”أشد العبارات، الهجوم على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان الذي وقع بالقرب من العاقبية في جنوب لبنان، والذي أودى بحياة جندي حفظ سلام إيرلندي وجرح ثلاثة آخرين”.
ودانت الخارجية الأميركية “بأشد العبارات الهجوم العنيف على جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل” وأكدت “إن العنف ضد قوات حفظ السلام غير معقول ، ويعرض المدنيين اللبنانيين للخطر ، ويعرض الاستقرار في جنوب لبنان للخطر”. وقالت ان “الولايات المتحدة تبعث بأحر تعازيها لأسرة وأصدقاء وزملاء جندي حفظ السلام الذي مات ، وتأمل في الشفاء العاجل للجرحى. وندعو الحكومة اللبنانية إلى التحقيق بشكل عاجل في هذا الهجوم ومحاسبة المسؤولين عنه ومنع حدوث مثل هذه الهجمات في المستقبل. نواصل حث الحكومة اللبنانية على تسهيل التعاون الكامل مع اليونيفيل ، بما في ذلك تسهيل تحركات اليونيفيل داخل وخارج منطقة عملياتها ، مع أو بدون مرافقة الأجهزة الأمنية اللبنانية ، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١.”
ترحيل الجلسات
وسط هذه الأجواء الملبدة، وكما كان منتظرا جرى ترحيل الاستحقاق الرئاسي الى السنة المقبلة بعدما عقد مجلس النواب جلسة عاشرة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية برئاسة الرئيس بري. وبعد ان فُرِزت أصوات النواب المقترعين لانتخاب رئيس للجمهورية وعددهم 109، جاءت النتائج كالآتي: ميشال معوض:38، أوراق بيضاء:37 ، عصام خليفة:8 ، صلاح حنين:2 ، زياد بارود:2 ، أوراق ملغاة:19 أسماء أخرى:3. وبعد الدورة الاولى وتطيير نواب 8 آذار النصاب، رفع بري الجلسة من دون تحديد موعد للجلسة المقبلة. وافيد ان نواب من “تكتل لبنان القوي” هم من صوتوا بعبارة “الميثاق” في بداية تمايز بينهم وبين نواب ٨ اذار الذين يصوتون بالاوراق البيضاء ولو ان النتيجة تصب في مكان واحد هو تعطيل العملية الانتخابية .