لم يكن الارباك السياسي الداخلي مفاجئا بعد عطلة الاعياد، رئاسيا وحكوميا. الفوضى والقرارات الارتجالية، ادت الى انحدار الامور الاقتصادية والمالية نحو الاسوأ، في ظل تتابع انهيار الدولة والشلل القائم في المؤسسات الرسمية. ولذا كان من الطبيعي ان يحلق الدولار مجددا ومعه الاسعار، في بلد صنفت عاصمته قبل ساعات عبر واحدة من اهم المؤسسات الاحصائية الدولية في المرتبة 240، أي قبل الأخيرة بمرتبتين فقط، ضمن صفوف المدن “الأسوأ” عالمياً بفعل النتائج المترتبة على تدهور البيانات المقارنة للقدرة الشرائية، وكلفة المعيشة، وذلك ربطاً بالانهيارات المتواصلة للعملة الوطنية.
داخليا، ترقب لموقف “التيار الوطني الحر” اليوم من مسألة تبني استراتيجية التخلي عن “الورقة البيضاء”، وتبني اسم مرشح في اي جلسة رئاسية مقبلة، فيما تتأرجح مسألة الدعوة لانعقاد جلسة حكومية جديدة بين الانعقاد هذا الاسبوع ببند وحيد هو الكهرباء،او تأجيلها لوقت لاحق، ربطا بعدم حماسة حزب الله لعقدها دون تفاهم مسبق مع التيار الوطني الحر، مع العلم ان رئيس مجلس النواب نبيه بري منح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي “الضوء الاخضر” لعقدها.
“ترنح” اللقاء الرباعي
اما انعقاد اللقاء الرباعي الذي كان سيجمع اميركا وفرنسا والسعودية وقطر في باريس قبل نهاية الجاري، فهو “يترنح” في ظل تردد الفرنسيين في عقده، نظرا لغياب حماسة واشنطن والرياض، ووفقا لمصادر ديبلوماسية، فان المملكة العربية السعودية ابلغت الجانبين الفرنسي والقطري انها لا ترغب في البحث بأي ترشيحات رئاسية او مقايضة حكومية، لانها لا تزال عند قناعتها بان لا احد قادر على تقديم اي ضمانة بحصول تغيير جذري في السياسة اللبنانية تجاه الدول العربية، في ظل ما “تزعم” انه سيطرة حزب الله على المفاصل الاساسية للحكم في لبنان، ولهذا فانها لا ترغب في الخوض اكثر في الشأن اللبناني بما يتجاوز صندوق الدعم الاقتصادي المشترك مع فرنسا.
وفي هذا السياق، ابلغت واشنطن باريس ان اولويتها الآن في الشرق الاوسط محاولة “عقلنة” الحكومة “الاسرائيلية” بعد ان بدأت تتظهر معالم التصعيد في الداخل الفلسطيني والمنطقة، ولهذا فان جدول اعمال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتضمن نهاية الشهر الجاري زيارة الى “إسرائيل” للحصول على “فهم أفضل لأجندة الحكومة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو”، بحسب تلك المصادر التي اكدت انه سيتم الاتفاق خلال الزيارة على جدول اعمال زيارة نتانياهو الى واشنطن في شباط المقبل. ومن المتوقع أن يصل مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى “إسرائيل” في 19 الجاري، لإجراء سلسلة من المحادثات بغية التوصل إلى تفاهم مع الحكومة “الاسرائيلية” حول عدة ملفات، اهمها “التهديد” الإيراني والعلاقات مع السلطة الفلسطينية والحرب في أوكرانيا. ولهذا تتريث باريس في الدعوة رسميا للاجتماع، بانتظار حصولها على الحد الادنى من الضمانات كي يكون بيانه الختامي واضحا لجهة التزام الدول الدول الاربعة في تبني لغة واحدة للتفاوض مع الايرانيين.
ارباك حكومي
وانعكست حالة الارباك السياسي على تحديد جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك الدعوة الى جلسة حكومية جديدة ببند رئيسي يتعلق بالكهرباء. وهذه الجلسة مرجحة هذا الاسبوع بحسب مصادر وزارية، التي اكدت اصرار الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على التآم مجلس الوزراء في جلسة استثنائية، وهو يستكمل اتصالاته مع “الثنائي الشيعي” ، خصوصا حزب الله لاقناعه بضرورة انعقادها، مع ميل الاخير للتريث كي لا تزداد الازمة سوءا مع التيار الوطني الحر، وقد تحسم الامور خلال الساعات القليلة المقبلة.
وكان لافتا في الساعات القليلة الماضية “الضوء الاخضر” الذي منحه رئيس مجلس النواب نبيه بري لميقاتي لعقد جلسة حكومية عبر بيان المكتب السياسي لـ “حركة امل” الذي مهد لعقد الجلسة من خلال التأكيد على ضرورة تحمل حكومة تصريف مسؤولياتها كاملة في تسيير الشؤون المعيشية للمواطنين . فيما يحاول حزب الله اقناع طرفي النزاع “بالنزول عن شجرة” التصعيد من خلال ايجاد مخرج لا يُحرج احدا، ولا يعطل الشؤون الحياتية للمواطنين.
منعطف “رئاسي”؟
في هذا الوقت، وفيما يتريث بري في الدعوة الى عقد جلسة انتخاب جديدة ، قد يدخل الاستحقاق الرئاسي، اعتبارا من اليوم ، مرحلة جديدة اذا لجأ التيار الوطني الحر الى اختيار تسمية مرشح رئاسي لمحاولة تسويقه، بدل “الورقة البيضاء” في الجلسات الرئاسية المقبلة، ويتقدم اربعة اسماء في الترجيحات التي يفترض ان تحسم اليوم، ويتقدمها اسم النائب السابق صلاح حنين. وقد توقّع عضو تكتل “لبنان القوي” النائب سليم عون أن يخرج اجتماع الهيئة السياسية اليوم بإسم أو سلة أسماء أو ربما بطرح جديد بالنسبة للانتخابات الرئاسية، واوضح عون ان الهدف ليس طرح إسم لتعقيد الأمور أكثر، لأن العملية دقيقة وحساسة، مشيرا إلى ان انتخاب الرئيس ليس الحل للازمة، وانما هو أول تطبيق له على ان يتبعها خطوات عدة.
وهذه الخطوة قد تزيد من “الهوة” مع حزب الله، كما ترجح اوساط سياسية، كونها خطوة غير منسقة، ومحاولة لاستباق اي حوار ثنائي يفترض عقده في الايام المقبلة، حيث يحاول باسيل فرض جدول اعمال الحوار على حليفه من خلال الاصرار على ان ينطلق اي بحث في الاستحقاق الرئاسي من نقطة البحث عن مرشح جديد، دون العودة الى اي نقاش حول ترشيح سليمان فرنجية..
لا “حماسة” مسيحية
ووفقا لمصادر مقربة من “التيار”، فان باسيل يأس من اطلاق “دينامية” جديدة باتجاه ايجاد تفاهم مسيحي – مسيحي برعاية البطريركية المارونية على اسم رئيس، وقد حاول تسويق فكرة الاتفاق المسيحي على اسم واحد او سلة اسماء لدى الصرح البطريركي قبل الاعياد، لكنها قوبلت برفض رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع للفكرة من اساسها، كما جاء موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي غير متحمس، وردّ علنا كما في الخلوة الاخيرة بينهما ، وقال انه ضد “بدعة الاتفاق المُسبق على هوية رئيس الجمهورية”.
في المقابل لا يزال “الثنائي الشيعي”، يصر على ان مفتاح الحل يرتكز على مبدأ الحوار لانتاج توافق حول الاستحقاق، وهو امر لا يحظى بتغطية ميثاقية مسيحية، حيث لا تزال “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” يرفضان اي حوار خارج اطار جلسات الانتخاب المفتوحة للرئيس العتيد، فيما يؤكد حزب “الكتائب” أنه لا يرفض الحوار بالمطلق، لكنه يشدد على ضرورة أن لا يكون بديلا عن جلسات الانتخاب.
تواصل بين “القوات” “والمردة”
في هذا الوقت، اكد جعجع ان “التواصل مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة قائم عبر النائب ملحم الرياشي والنائب طوني فرنجيّة ، ولكنّه روتيني ولا يشمل الاستحقاق الرئاسي”. واشار الى “انه حين يظهر مرشّح من المعارضة قادر على تأمين أصوات أكثر من ميشال معوض نمشي نحن وهو به”. واكد جعجع انه مستعدّ أن يستقبل باسيل “اذا وجدنا شيئاً مشتركاً معه، وإذا أراد أن يصوّت لميشال معوض فأهلاً وسهلاً به”، واضاف “ليس كلّ اسمٍ يطرحه باسيل مرفوض بمجرد انه آتٍ منه، بل نقبل به اذا توافرت لديه المواصفات المطلوبة”.
التحقيقات الاوروبية
قضائيا، اعلن عن تأجيل بدء الوفد القضائي الاوروبي لتحقيقاته في بيروت بجرائم مالية، لاسباب لوجستية، الى حين اكتمال حضور كامل اعضائه يوم الاثنين المقبل، وقد ارجأ وزير العدل هنري خوري مؤتمره الصحافي للاضاءة على هذا الملف، وشرح آلية تعاون لبنان قضائيا وفق الاتفاقيات الموقعة مع الدول الاوربية حول مكافحة الفساد الى يوم غد الاربعاء. ووفقا للمعلومات، سيكون التعاون القضائي ضمن حدود القوانين المرعية الاجراء، وستشمل التحقيقات 12 شخصا بصفة شهود، وشخص واحد بصفة متهم. وحتى مساء امس، لا يبدو ان المعنيين بالتحقيق سيمتنعون عن حضور الاستماع اليهم، لأن عدم الحضور لن يكون في صالحهم، بحسب مصادر قانونية التي اكدت ان اي اجراءات ستتخذ بحقهم ستكون في الدول الاوروربية وليس على الاراضي اللبنانية.
وقد علم ان احد القضاة الفرنسيين في الوفد طلب لقاء القاضي طارق البيطار لمناقشة ملف انفجار المرفأ. ويتالف الوفد الذي يصل تباعا من قضاة ومحققين متخصصين وعناصر من الشرطة القضائية في إطار التحقيق في عمليات فساد وتبييض أموال، وستصل الوفود الفرنسية والالمانية ومن لوكسمبورغ على نحو منفصل، وسيتولى الوفد الفرنسي التحقيق مع المطلوب الاستماع إليهم بين 14 و18 الجاري، كما سيحقق مع عدد من المصارف.
وقد تم ابلاغ الجهات اللبنانية أن الوفود ستعمد إلى “تكليف خبراء للاستحصال على مستندات”. علماً أن الاستجوابات ستجرى في قصر العدل بإشراف قاضيين مكلفين من عويدات هما غسان خوري وإيميلي كلاس.
انهيارات “ونكد” سياسي
في هذا الوقت، تستمر ازمة الكهرباء على خلفية “النكد” السياسي بين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري “والتيار الوطني الحر”، الذي يحول دون افراغ بواخر الفيول والغاز الاربع في معامل الكهرباء. فان الملف يزداد تعقيدا ، لان ميقاتي يصر على اعتبار عقد جلسة للحكومة الممر الالزامي لحل الملف، فيما يرفض وزير الطاقة وليد فياض الامر، ويرى ان ثمة اتفاقا حصل مع ميقاتي ووزير المال يوسف خليل، وجرى نقضه لاسباب سياسية.
في هذا الوقت امتنع عدد من المحطات عن تسليم المحروقات بسبب عدم صدور جدول جديد للأسعار حتى ساعات ما بعد الظهر. وبحسب المعلومات، فإن عدم صدور الجدول يعود الى معلومات وصلت الى وزارة الطاقة والمياه بأن شركات محروقات اشترت الدولار على سعر منصة صيرفة، فراسل وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للتأكد قبل اصدار الجدول ورفع الأسعار على سعر دولار السوق. وقد عقد اجتماع مع وزير الطاقة بعد ظهر امس، وتم الاتفاق معه على صدور جدول للاسعار يوميا قبل العاشرة صباحا.
اما الاضراب والانقسامات في القطاع التربوي فتهدد الموسم الدراسي، فيما تراجع وزير التربية عباس الحلبي عن اقتراحه القاضي بدفع الخمسة دولارات عن كل يوم حضور لأفراد الهيئة التعليمية.
تدهور كارثي؟
وفيما لامس الدولار مجددا عتبة الـ47 الف ليرة، بعد الارباك الذي شهدته منصة صيرفة بالامس، وسادت الفوضى بعد توقف المصارف عن اجراء عمليات صيرفة للمؤسسات وحصرتها بالافراد، ما زاد الضغط على دولار السوق السوداء وادى الى ارتفاعه، تم تصنيف بيروت في المرتبة 240 وفقا لتقرير دولي تحدث عن الآثار الكارثية للانحدار الاستثنائي لنوعية الحياة في لبنان.
وحسب تقصي المؤشرات التي سجلتها بيروت في العامين السابقين والمرتقبة للعام الحالي التي يوثقها موقع “نومبيو” للإحصاءات، جاءت النتائج معاكسة للمعادلات المطلوبة للتصنيف الإيجابي، ذلك أن قياس نوعية الحياة يرتكز على نتائج ثمانية مؤشرات رئيسية، نصفها يتطلب نتيجة مرتفعة، وتشمل القدرة الشرائية، والأمان، والرعاية الصحية، والمناخ، ونصفها الآخر يوجب الحصول على علامات منخفضة، وتضم مؤشرات كلفة المعيشة، ومعدل سعر المنزل بالنسبة إلى الدخل، الذي يعكس القدرة على تحمل كلفة السكن، وحركة المرور، والوقت المطلوب للتنقل، والتلوث.
وجاء الارتفاع السنوي في مؤشر التضخم نتيجة تسجيل جميع مكوناته زيادات محسوسة، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 171 في المائة، وارتفعت أسعار النقل بنسبة 182 في المائة. وبرزت زيادات قياسية وصلت إلى 235 في المائة في احتساب كلفة السكن التي تشمل الماء والغاز والكهرباء، فضلاً عن الارتفاع غير المسبوق في كلفة الصحة بنسبة 172 في المائة، وكلفة التعليم التي قفزت بنسبة 191 في المائة.
“الودائع ما طارت”؟
في هذا الوقت، دعا نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب، المصارف، إلى “عدم التّهويل”، مؤكداً أنّ “الودائع ما طارت”. وعقب انتهاء جلسة اللجان المشتركة في مجلس النوّاب لدراسة قانون “الكابتال كونترول” ، اعتبر بو صعب “أنّ المصارف تستطيع أن تسدّد للمودعين بالشراكة مع مصرف لبنان”، مُشدّداً على “أنّ عدد حسابات المودعين الذي يُحكى عنه في الإعلام غير واقعي”. ولفت إلى “أنّ جلسة واحدة أُخرى تفصل اللجنة عن إقرار القانون”، موضحاً “أنّ القانون الذي يتم بحثه يأخذ حقوق المودعين بعين الاعتبار وضمن المنطق”. وكشف عن سعيه “إلى منح كلّ مودع مبلغ 800 دولار نصفها بـ”الفريش”، والنصف الثاني بالليرة اللبنانية، ولكن وفق السعر الفعلي للسوق”. واشار الى “ان 150 ألف مودع تقريبا سيستفيد من الـ800 دولار” ..وقال إننا “نحتاج إلى خطة تعافٍ حقيقية وإعادة هيكلة للمصارف، ولدينا أملٌ بالخروج من الأزمة في لبنان من خلال التعاون وعبر الشفافية”، لافتاً إلى “أنّه ليس ضرورياً أن تبيع الدولة أملاكها، بل يمكنها استثمارها وتشغيلها”.
“موجة كورونا” على “الابواب”
صحيا، تزداد المخاوف من موجة جديدة من “كورونا” مع ارتفاع عدد الاصابات، وفي خطوة استباقية سيعلن وزير الصحة فراس الابيض اليوم عن اعادة فتح قسم معالجة “كورونا” في مستشفى رفيق الحريري الحكومي. وأوضح نقيب الأطباء يوسف بخاش ان البلاد تواجه متحور كورونا جديد، وهو سريع الانتشار، واكد انه على المواطن أن يكون حذرا ويتلقى الجرعة الرابعة من اللقاح.
من جهته أكد امين عام الصليب الاحمر جورج كتانة انه خلال الاسبوعين الماضيين نقلنا 212 حالة كورونا الى المستشفى، لكنه اشار الى ان الخوف موجود، ولكن لا لزوم لاقفال البلد، الا انه شدد على ضرورة اخذ الاجراءات اللازمة كون هناك “موجة قوية قادمة”. وعن اوضاع المستشفيات، قال “القطاع الاستشفائي ضرب بنسبة 60-70% ، فتخيّلوا ان ليلة رأس السنة اكدت المستشفيات ان لا مكان فيها، ونحن نعمل على الصحة الأولية مما يخفف نقل المرضى الى المستشفيات، كما ان المستشفيات حاولت تنظيم نفسها، ولنعترف ان هناك مشكلة امنية صحية”..