مرّة جديدة يستنفر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “خلية الإليزيه” المكلفة متابعة الملف اللبناني لمحاولة استدراج أركان النظام الحاكم في لبنان إلى المضي قدماً على طريق الإصلاح والإنقاذ وانجاز الاستحقاقات الدستورية، ولا تغيب عن خلفية المحاولة المتجددة راهناً مشهديات “فلاش باك” لا تُعد ولا تُحصى من اصطدام الجهود الفرنسية مراراً وتكراراً بتعنّت منظومة 8 آذار وسحقها مصالح اللبنانيين والبلد تحت أقدام أجندتها السياسية الداخلية والإقليمية، وما زالت نتائج اجتماعات ماكرون المخيبة للآمال في بيروت عقب انفجار مرفأ بيروت شاهدة على وقاحة المسؤولين اللبنانيين في إجهاض الحلول والإصلاحات والنفخ في كير الانهيار وصولاً إلى تدجين اللبنانيين على التكيّف مع منزلقات الأزمة تحت وطأة كماشة “المافيا والميليشيا” الحاكمة والمتحكمة بمصير البلد ومساره.
لكن ورغم إقرار وزيرة الخارجية الفرنسية نفسها بمعاناة اللبنانيين من “هذا النظام الفاشل” الذي يقف خلف “انهيار النظام المالي وتفكك أواصر المجتمع“، لم تجد باريس بديلاً عن تكرار محاولة “تشجيع الطبقة السياسية اللبنانية على الخروج من الطريق المسدود وإيجاد مخرج للأزمة التي يتخبط بها بلدهم” بحسب تحديدها لأهداف اجتماع الاثنين المقبل المخصص للبنان في العاصمة الفرنسية بمشاركة ممثلين عن فرنسا وأميركا والسعودية وقطر ومصر، ليأتي هذا الاجتماع معطوفاً على مهمة السفير المكلف تنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان، في بيروت والمنطقة وصولاً إلى واشنطن، بمثابة إطلاق باريس “صفارة” الحل اللبناني بالتعاون مع شركائها الدوليين والعرب، وسط إقرار أوساط ديبلوماسية بصعوبة نجاح سياسة “الجزرة بلا عصا” التي تنتهجها إدارة ماكرون في حثّ أركان الحكم اللبناني على الامتثال للمعايير الدولية والعربية في عملية الإصلاح المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته.
وبانتظار ما سيخرج به الاجتماع الخماسي في باريس لا سيما في ما يتصل بالمؤشرات المرتقبة منه داخلياً على مستوى رصد الموقف الغربي والعربي حيال الاستحقاق الرئاسي، لم يُخفِ المسؤولون اللبنانيون غبطتهم أمس بتسخير الرئيس الفرنسي جهود السفير دوكان لمهمة حل أزمة الطاقة في لبنان عبر تكليفه الاستحصال من الأميركيين على استثناء من مفاعيل “قانون قيصر” لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا إلى المعامل اللبنانية، مكتفياً بالتذكير في المقابل بعدم إقدام السلطات اللبنانية حتى الآن على “تنفيذ الشرطين اللذين طلبهما البنك الدولي للمساعدة في قطاع الطاقة، وهما التدقيق في حسابات كهرباء لبنان والبدء بتشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء وفق القانون الساري المفعول”، مع تشديد دوكان في الوقت عينه على “وجوب استكمال الخطوات المطلوبة لتوقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي الذي يمثل بالنسبة لفرنسا وللمجتمع الدولي الممرّ الاساسي لاعادة التعافي إلى الاقتصاد اللبناني والحصول على مساعدات تتعدّى ما هو متوقّع الحصول عليه من صندوق النقد“.
أما في مستجدات الملف المصرفي، فأفادت المعلومات المتواترة مساء أمس بأنّ “فرنسبنك” يتجه إلى إقفال أبوابه اليوم احتجاجاً على حكم قضائي صدر ضده، مع إمكان دعوة جمعية المصارف الى اجتماع مخصص لدرس اعتماد وسائل ضغط إضافية على الحكومة ومجلس النواب لتسريع إقرار مشروع قانون “الكابيتال كونترول“. وأكد مصدر مصرفي مطلع على نقاشات نيابية جرت في هذا الصدد لـ”نداء الوطن” أن رئيس مجلس النواب نبيه بري بات “متفهماً جداً لموقف المصارف ومتعاطفاً معها بشدة، لذا فهو راغب في الدعوة إلى جلسة تشريعية يقر فيها مشروع قانون ضبط السحوبات والتحويلات”، وأشار المصدر في هذا السياق إلى “الأحكام التي تصدر في الخارج لمصلحة مودعين، وإلى الحكم الذي صدر أمس الأول محلياً ضد فرنسبنك”. ما جعل “إقرار القانون المذكور والمتضمن مادة تحمي المصارف من ملاحقات المودعين القضائية أمراً ملحاً” من وجهة النظر المصرفية.
وفي التفاصيل، ذكر تحالف “متحدون” أنّ محامي التحالف تبلغوا قراراً لمصلحة المودعين يمكّنهم من استيفاء ودائعهم “عداً ونقداً بعملة الإيداع”، لافتاً إلى كونه “القرار المبرم الأول من نوعه الصادر عن محكمة التمييز بوجه المصارف بهذا الخصوص”، وأشار إلى صدور قرارين عن محكمة التمييز المدنية، الغرفة الثانية برئاسة القاضية مادي مطران وعضوية المستشارَين حسن سكينة وسميح صفير، قضيا بقبول الطعنين التمييزيين المقدّمين من المحامي رامي علّيق من التحالف بوكالته عن المودعَين عياد ابراهيم من جمعية صرخة المودعين، وحنان الحاج ضد مصرف فرنسبنك شكلاً وأساساً، ونقض القرارين المطعون فيهما الصادرين عن محكمة الاستئناف المدنية برئاسة القاضي حبيب رزق الله، واللذين قضيا بقبول طلب المصرف وقف تنفيذ الشيكين المصرفيين الصادرين عن فرنسبنك نقداً. كما وتصديق القرارين المستأنفين الصادرين عن القاضي المنفرد في بيروت رولا عبدالله بتاريخ 7 آذار 2022 القاضيين برد طلبي وقف التنفيذ المقدّمين أمامها من فرنسبنك. وأوضح “التحالف” أنّ القرارين الجديدين قضيا “بإعادة المعاملتين التنفيذيتين إلى مرجعهما الأساسي دائرة التنفيذ في بيروت، حيث سيصار إلى متابعة التنفيذ على الشيكين المصرفيين الصادرين عن فرنسبنك عداً ونقداً بعملة الإيداع، مع الفوائد واللواحق المستحقة عليهما من قيمة الوديعة“.
غير أنّ مصادر مصرفية توقعت “إيقاف تنفيذ الحكم من قبل جهات قضائية عليا بإيعازات سياسية، على غرار ما حصل في أحكام سابقة مماثلة، على اعتبار أنّ الأزمة المصرفية هي أزمة نظامية وتحتاج علاجاً شاملاً”، بينما يتقاطع الخبراء الماليون والاقتصاديون عند التأكيد على أنّ سياسة “شراء الوقت” هي الطاغية على أداء البنوك والطبقة السياسية ومصرف لبنان، بغية “تذويب المزيد من الودائع، بانتظار وضع حلّ للأزمة يلقي العبء الأكبر على الدولة في عملية رد الودائع لأصحابها“.