“تعبت وقرفت، دعاء وجواد وجوري أمانة برقبتك، ما قادر إتحمّل بقى”… بهذه الرسالة الصوتية التي أرسلها المواطن موسى الشامي إلى صديقه ليستأمنه على زوجته وطفليه قبل أن يُقدم على الانتحار، يكون شاب لبناني آخر سقط على مذبح إجرام المنظومة الحاكمة بعدما ضاقت به سبل العيش وأجهزت عليه الأزمة الاقتصادية، ليضاف إلى سجل حوادث الانتحار المتزايدة خلال الفترة الأخيرة للأسباب المعيشية في معظمها، والتي بلغ معدل ارتفاعها ما نسبته 32% خلال الأعوام التسعة الأخيرة بحسب التقرير الذي أعدّته “الدولية للمعلومات” استناداً إلى سجلات قوى الأمن الداخلي.
هذه النسب، بما تختزنه من مدلولات قاصمة لظهر اللبنانيين وقاضية على آمالهم بأن يلوح أي بصيص فرج تحت حكم تحالف “المافيا والميليشيا”، هي مجرد أرقام لا تحرك ساكناً في ضمير الطبقة القابضة على مقاليد “الشغور” ولا في حساباتها الرئاسية، ويبقى الأهم بالنسبة إليها تأمين استمراريتها وتمتين سطوتها على السلطة عبر إيصال مرشح أمين على هذه المهمة إلى سدة رئاسة الجمهورية… ولو قضى “النصف + 1” من الشعب اللبناني.
ولأهمية هذه المهمة، لا يحيد “الثنائي الشيعي” عن ترشيح سليمان فرنجية ولا يجد عنه بديلاً في المعركة الرئاسية رغم التيقن من “عقم” حظوظه… الأمر الذي دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى محاولة اختلاق حلول “أنبوبية” لإعادة تزخيم ترشيح فرنجية عبر الانقضاض بشراسة على مرشح المعارضة المنافس ميشال معوض أمس من جهة، والسعي من جهة ثانية إلى استدراج رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إلى “تلقيح” مرشح “الثنائي” بأصوات “اللقاء الديمقراطي” لعلّ وعسى يستطيع إيصاله بأكثرية الـ65 صوتاً في حال تأمن نصاب الثلثين لدورات الانتخاب الرئاسية.
وإذ بدا للوهلة للأولى أنّ جنبلاط سرعان ما أعاد تموضعه إلى جانب حلفه التاريخي مع بري في مواجهة رد معوّض العنيف على رئيس المجلس، أكدت مصادر واسعة الاطلاع أنّ البيان الذي أصدرته مفوضية الإعلام في الحزب “الاشتراكي” أتى في معرض الحثّ على وقف خطابات “الانقسام والتساجل” العقيمة والدفع باتجاه الإسراع في بلورة حلول رئاسية توافقية تنهي الفراغ القاتل للبلد على قاعدة “الحوار والتفاهم وعدم التحدي”، مشيرةً إلى أنّ جنبلاط لطالما أكد عدم مضيّه قدماً في دعم وتأييد ترشيح أي شخصية تشكل تحدياً واستفزازاً لفريق ضد آخر في البلد، وبالتالي فمن غير الوارد وضع تعليق “الاشتراكي” على السجال بين برّي ومعوض في خانة احتمال سيره في ترشيح فرنجية، سيّما وأنّ المصادر كشفت لـ”نداء الوطن” أنّ النائب وائل أبو فاعور نقل إلى جنبلاط في الآونة الأخيرة معلومات ومعطيات جازمة تفيد باستحالة دعم المملكة العربية السعودية أي تسوية رئاسية لبنانية تفضي إلى انتخاب مرشح “حزب الله” سليمان فرنجية، مؤكدةً في ضوء ذلك أنّ زعيم “المختارة” لن يسير بأي طرح رئاسي تعارضه السعودية ربطاً بالعلاقات التاريخية التي تجمعه مع المملكة من جهة، وبعدم القدرة على استنهاض البلد من أزمته الطاحنة من دون الدعم السعودي من ناحية أخرى.
وتزامناً، برز خلال الساعات الأخيرة إبداء مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان أسفها لما بلغه الوضع اللبناني من تفاقم أزمات وتعميق هوة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في ظل استمرار الفراغ الرئاسي و”غياب الاصلاحات وتصلّب المواقف وازدياد الاستقطاب”، معربةً عن “بالغ القلق” إزاء تداعيات الشغور الخطيرة على اللبنانيين مع بلوغه شهره الخامس.
وحثت مجموعة الدعم الدولية في بيان “القيادات السياسية وأعضاء البرلمان على تحمل مسؤولياتهم والعمل وفقاً للدستور واحترام اتفاق الطائف من خلال انتخاب رئيس جديد دون مزيد من التأخير”، محذرةً من أنّ الوضع الراهن “يصيب الدولة بالشلل على جميع المستويات، ويحدّ بشدة من قدرتها على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية والإنسانية العاجلة، كما يقوّض ثقة الناس في مؤسسات الدولة فيما تتفاقم الأزمات“.
كما أبدت استغرابها “بعد مرور 11 شهرًا على توصل لبنان الى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي”، لكون السلطات اللبنانية لم تتمكن بعد من إبرام “برنامج مالي مع الصندوق”، مشددةً في هذا المجال على وجوب “التعجيل بإقرار القوانين اللازمة لاستعادة الثقة في القطاع المصرفي وتوحيد أسعار الصرف” باعتباره “أمراً حيوياً لوقف التدهور الاجتماعي والاقتصادي“.