كتبت صحيفة “الأخبار”: قبل ثمانية أيام من جلسة 14 الجاري. تبدو المعركة أكثر احتداماً، إذ تقف غالبية نيابية مسيحية مقابل غالبية إسلامية، ما يشي بأن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قد تتحوّل إلى مشكلة كبيرة على الصعيد الوطني. فيما يمتنع تشكيل نيابي من كل الطوائف عن إعلان موقف حاسم، ويربط بعض المترددين موقفهم بالقرار الذي سيصدر عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
وفي حال قرر جنبلاط الدخول في المعركة دعماً لمرشح «تقاطع» المعارضة والتيار الوطني الحر، جهاد أزعور، سيكون الفريق الداعم لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أمام «نظرة استراتيجية» جديدة إلى العلاقة مع جنبلاط وفريقه السياسي والنيابي. وسط استمرار رهان الرئيس نبيه بري على أن جنبلاط «وإن بدا مختلفاً عما عهدته منه، إلا أنني لا أعتقد أنه سيدخل في مشكلة معي ومع حزب الله كرمى لعينَي مرشح اختاره جبران باسيل» على ما نقل أحد زوار عين التينة. كذلك نُقل عن مصادر على تواصل مع بري وجنبلاط أن الأخير كان حتى مساء أول من أمس أكثر ميلاً إلى التصويت بالورقة البيضاء، بعكس ما سُرب أمس عن أنه سمع تشجيعاً سعودياً على التصويت لأزعور.
وسيعقد جنبلاط بعد عودته إلى بيروت جلسة مطوّلة مع كتلة «اللقاء الديمقراطي» التي لفتت مصادر سياسية إلى «وجود تخبط وانقسام داخلها حول تأييد أزعور»، موضحة أن «الموقف من أزعور لا يتعلق فقط بتوافق الكتل المسيحية حوله، بل بالأجواء التي ستحيط بجلسة الانتخابات، والاصطفاف الحاد الذي ولّده الترشيح»، مؤكدة أن «تسمية الكتلة له مرتبط بسير الجلسة، خصوصاً أن هناك عائقين يعترضان مسار أزعور إلى الرئاسة: الأول تعطيل النصاب، والثاني هو الميثاقية التي لا يمكن لجنبلاط أن يتخطاها لاعتبارات كثيرة»، من دون أن تستبعد خيار التصويت بالورقة البيضاء.
الأمر نفسه ينسحب على عدد غير قليل من النواب السنة الذين لم يتخذوا بعد قرارهم النهائي. وأكّد أحد النواب السُّنة البارزين أنه حتى بعد ظهر أمس، لم يكن أحد منهم قد تلقّى أي اتصال أو إشارة سعودية لتوجيه الموقف، وأن بعض هؤلاء سمعوا إشارات من الرئيس سعد الحريري تدعو إلى «عدم السير بأي تحالف مع خصمين أساسيين له هما جبران باسيل وسمير جعجع».
الاهتمام بجمع الأصوات لم يغير في التقديرات حيال مصير الجلسة المقبلة ربطاً بالصدام السياسي، إذ إن هناك شبه إجماع على أن التعداد ليس كافياً لترجيح كفة مرشح على آخر، وأن القوى المتصارعة ستلجأ إلى الأسلحة الأفضل لديها لتحقيق النقاط، خصوصاً أن الفريق الداعم لأزعور يعمل على هدف أولي بتحقيق عدد من الأصوات يفوق الأصوات التي ينالها فرنجية لتثبيت أزعور مرشحاً قوياً، ولكن ليس لإيصاله، بل لدفع الطرف الآخر إلى الدخول في مفاوضات على تسوية تقوم على إطاحة الاثنين معاً.
غير أن موقف القوى البارزة الداعمة لفرنجية لم يُحسم بعد حيال كيفية التعامل مع الجلسة المقبلة، وسط مؤشرات إلى أن الموقف قد يتطور إلى مقاطعة الجلسة «لمنع تكريس الانقسام والصدام» في البلاد على ما قال أحد المعنيين، لافتاً إلى مشاورات مستمرة بين قيادتي حزب الله وحركة أمل وتيار المردة وعدد من النواب المستقلين للوصول إلى قرار موحّد بشأن الجلسة، وأن من بين الأفكار عدم المشاركة في الجلسة أو التصويت بورقة بيضاء في الدورة الأولى، وتطيير النصاب في الدورة الثانية، لتأجيل الجلسة إلى وقت لاحق إفساحاً في المجال أمام الحوار.
وقال مصدر بارز في الفريق الداعم لفرنجية إن «أبرز خلاصات الجلسة سيكون تكريس التوازن السلبي الذي أفرزته الانتخابات النيابية الأخيرة، وتأكيد عدم القدرة على إحداث اختراق من دون تسوية». وأضاف أن ما يجري «ليس أول قطوع، وندرس كل الخيارات التي يُمكن اتخاذها وتداعيات كل خيار». وكرر أن «أزعور لن يمُر مع علمنا بأن من رشّحوه ليسوا متمسكين به، بل إن عدداً منهم طرحوه كمناورة لإسقاط فرنجية، وهذا العدد الذي يملك مرشحاً ضمنياً هو قائد الجيش جوزيف عون لن يسير في دعم أزعور لإيصاله وهذا ما ستكشفه الجلسة».
وقال المصدر إن بري «دعا إلى الجلسة، رداً منه على سيل الاتهامات التي توجه إليه من الخارج والداخل بتعطيل مجلس النواب والتسبب بالفراغ الرئاسي»، ولـ«كشف نوايا قوى المعارضة والتأكيد أن ترشيح أزعور هدفه فقط تطيير فرنجية، وهذا ما لن يحدث». وأضاف المصدر: «ندرك جيداً أننا لم ندخل بعد المعركة الجدية والحاسمة، وهذا يحصل حين يكشف كل طرف عن مرشحه الحقيقي»، متسائلاً: «هل سيتقاطع التيار الوطني الحر مع قوى في المعارضة في حال أعلنت هذه القوى لاحقاً ترشيح قائد الجيش؟».
وفيما يصر بعض مؤيدي أزعور على ضرورة أن يبادر الأخير إلى إطلاق موقف من الترشيح، قال مصدر في التيار الوطني الحر إن أزعور ليس بصدد إعلان موقف الآن، وسينتظر حتى موعد الجلسة ليقرر ما إذا كان معنياً بإعلان موقف أو لا. ولفت إلى أن طبيعة القانون تسمح لأزعور بعدم إعلان ترشيحه، وتسمح له برفض الترشيح أو الاعتذار حتى عن عدم قبول النتيجة ولو كانت لمصلحته.
لكن هذا النقاش، لا يخفي الانقسامات الكبيرة التي تواجه كتلاً بارزة، ولا سيما كتلة التيار الوطني الحر. وتشير مصادر إلى أنه رغم الضغوط التي مارسها باسيل خلال الأسبوعين الماضيين، في لقاءات ثنائية مع النواب المعترضين وخلال اجتماع التكتل ولاحقاً عبر خطاب جبيل، فإن ذلك كله لم يغير في موقف نحو ستة نواب على الأقل يرفضون السير بأزعور، ولو أنهم لن يصوّتوا لفرنجية. وقال هؤلاء إن المواجهة القائمة قد تفجّر التيار وليس كتلته النيابية فقط.
وبالمثل، لا تبدو الأمور أفضل حالاً بين النواب التغييريين، إذ إن الخلافات بدأت بالظهور إلى العلن، مع مبادرة النائبة حليمة القعقور إلى مغادرة مجموعة «واتساب» تجمعها مع زملائها من الكتلة، بعد خلافاتٍ وتبايناتٍ متكرّرة حول الخيارات والمواقف السياسية بينها وبين عدد من النواب، خصوصاً مارك ضو ووضاح الصادق. وبحسب المعلومات، فإن تبنّي الصادق وضو ترشيح أزعور كان بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير».
وفي السياق نفسه، توافق النواب التغييريون: بولا يعقوبيان، نجاة عون، إبراهيم منيمنة، ياسين ياسين، فراس حمدان وشربل مسعد، على الذهاب إلى المجلس النيابي باسم واحد للاقتراع له. وينتظر هؤلاء أن يعلن الحزب الاشتراكي بشكل واضح عن موقفه تجاه ترشيح أزعور قبل اتخاذ قرارهم النهائي.