قبل اقل من 48 ساعة على انعقاد “الجلسة المفصلية” في المواجهة الرئاسية الجديدة التي يتواجه فيها الوزيران السابقان سليمان فرنجية وجهاد ازعور، اشتدت وطأة الغموض المكتنف مواقف مجموعة لا تقل عما بين 15 و20 نائبا ممن لم يحسموا مواقفهم الى جانب أي من المرشحين الامر الذي زاد حرارة المشهد من جهة واضفى محاذير في اسباغ توقعات حاسمة وقاطعة حيال الجلسة من جهة أخرى. ومع ان المعطيات الغالبة تتنامى في اتجاه توقع نيل ازعور عددا اعلى من الأصوات مما سيناله فرنجية، بما يقرب رقم ازعور من النصف ولو من دون قدرة مسبقة على الجزم بهذا العدد، فان مواقف النواب في تكتلات لم تقرر بعد ان تلعب دورا حاسما في ترجيح كفة هذا او ذاك من المرشحين، تركت الباب مفتوحا على الغارب على خلاصة مبدئية مفادها ان الجلسة الثانية عشرة ستنعقد في الدورة الأولى، وتفضي الى رسم ميزان قوى نيابي جديد، ومع ذلك فلن تفضي الجلسة الى انعقاد دورتها الثانية. وتطيير النصاب سيكون إيذانا ببدء مرحلة جديدة من التأزم من شأنها إطالة امد الشغور الرئاسي الى افق يصعب تحديده من الان. ولم يعد خافيا ان التوقعات المتصلة باطالة امد الازمة لا تفاجئ أحدا بل ان الاستعدادات الجارية للزيارة التي سيقوم بها موفد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان الوزير السابق جان ايف لودريان والتي شرعت في التمهيد لها امس السفيرة الفرنسية آن غريو تركت انطباعات متزايدة حيال تمدد الازمة، والا لما كان الرئيس الفرنسي كلف لودريان الديبلوماسي العريق بهذه المهمة قبيل أيام من موعد الجلسة الانتخابية ولما كانت الاستعدادات جارية لزيارته لبيروت بعد الأربعاء المفصلي المقبل. ثم انه تأكد امس ان المستشار السعودي نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد بخاري موجودان في باريس لاجراء مشاورات مع لودريان في شأن الوضع في لبنان. ووسط الحسابات المتداخلة للفريقين الداعمين لفرنجية وازعور، بدا واضحا ان سقف السخونة ارتفع الى حدود عالية غداة الكلمة التي القاها رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية في اهدن الاحد والتي استثارت ردود فعل مختلفة ولو انه لوحظ ان القوى الأساسية ولا سيما منها “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” التي طاولها هجوم فرنجية لم تصدر ردودا عليه فيما لفت رد السفير السابق نواف سلام عليه بعد رد الوزير السابق زياد بارود .
ازعور مرشحا
وطبقا لما أوردته “النهار” امس أصدر الوزير السابق جهاد ازعور بيانا ثبت فيه ترشيحه واكد فيه انه “ليس يتحدى احدا بل يمد يده للجميع”، وقال: “لا أريد لترشيحي أن يكون تقاطع الحد الأدنى بين مواقف ومشاريع القوى السياسية المختلفة، بل تلاقي الحد الأقصى بين أحلام اللبنانيين واللبنانيات بوطن نستحقه جميعًا، سيداً حراً مستقلاً مزدهراً وطن نستطيع فيه أن نستعيد تألق التجربة اللبنانية المهددة بالاندثار، بمعناها وصورتها ومؤسساتها وعناوين نجاحها كافة”ً، اضاف”قرأت وسمعت وتابعت الكثير من الكلام على مخاوف البعض من مشاريع عزلٍ تتحضر. أيها اللبنانيون واللبنانيات، ألا ترون معي أننا ونحن نتلهّى بخطابات الانقسام والتخويف بعضنا من بعض، بات بلدنا برمته معزولاً عن كل مسارات التصالح والتقارب والتحديث الحاصلة في المنطقة؟ كلنا معزولون معاً عن العالم، وكلنا معنيّون بفك عزلة بلدنا ما أمكن”. وقال”انا في مهمة بسيطة وكبيرة في آن واحد، هي الخروج في أسرع ما أمكن من الوضع الشاذ الذي نحن فيه، والتأسيس لمستقبل مزدهر يعود فيه لبنان مصدر إشعاع وريادة بفضل قدرات أبنائه وشبابه العلمية والثقافية”. ورأى ان “ترجمة هذا الطموح إلى واقع تحتاج إلى مجموعة مقوّمات، في مقدّمها الاستقلال التام عن أي تدخلات خارجية، وحماية الأرض والسيادة الكاملة، واعادة الأعتبار للدولة ومؤسساتها، والالتزام بالدستور، وتحصين وثيقة الوفاق الوطني من خلال تطبيقها كاملةً بكل مندرجاتها، لكونها المساحة المشتركة الفضلى والقاعدة الحقيقية للعيش معاً. كذلك سأعمل بالتعاون مع الجميع على إعادة وصل ما انقطع مع محيطنا العربي ومع دول العالم الأخرى”.
“لا اصطفاف”
وعشية الجلسة بلغت وتيرة الاتصالات واللقاءات والاجتماعات ذورتها في صفوف النواب ممن لم يحسموا خياراتهم بعد. في السياق، اجتمع عدد من النواب التغييريين في مجلس النواب ولم يعلنوا موقفا نهائيا. اما “التكتل النيابي المستقل” الذي يضم 10 نواب، فاعلن انه “افساحا لفرصة النقاش لن نعلن عن اي اسم.” وتابع:”لسنا مع تسجيل النقاط بل التوافق لاخراج البلد مما هو فيه”. وقال النائب محمد سليمان: “الخيارات مفتوحة يوم الاربعاء ونحن خارج الاصطفافات ومع انتخاب رئيس فقط”. وفي السياق، أفادت معلومات ان نواب “التكتل النيابي المستقل” وعددهم 10 قرروا التصويت بشعار “لبنان الجديد” في جلسة الأربعاء.
في المقابل قارن عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك بين كلمة فرنجية وبيان ازعور فقال: “خطابُ رَجل الدويلة امس، خطابُ رجل الدولة اليوم .. لمن يريد الاختيار، التناقض صارخٌ بين الأسود والأبيض. الى النواب الرماديين، اوراقكم البيض طعنة، مرشحكم الثالث سقوط، ترددكم خيانةٌ لناخبيكم وارتدادٌ على الدولة.. الأربعاء الرئاسي نصف الطريق بين موتِ وطن وقيامتِه”.
اما في الضفة الداعمة لفرنجية، فاعتبر رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، ان “الفريق الآخر يريد ان يصل الى رئاسة الجمهورية، هذا الشخص الذي يرونه مناسبا للقيام بهذا الدور من هو المنافس؟ ينافس أهل المقاومة جماعة من اللبنانيين ممن يرشحون ويدعمون شخصا لا يريدون أن يصل الى رئاسة الجمهورية ، وأنما يستخدمونه فقط لمنع أن يصل مرشح المقاومة”. وقال “نحن نفكر ايجابا، على أن الشراكة الوطنية هي تحقيق لمصالح اللبنانيين جميعا دون تمييز واستنساب او استضعاف لأحد، لكن الآخرين يفهمون الشراكة الوطنية استخدام فريق آخر من اللبنانيين من اجل ان يحققوا مصالحهم الخاصة على حساب جميع اللبنانيين”.
وفي موقف لافت ردا على الحملة المثارة ضد ترشيح ازعور، غرد الرئيس السابق ميشال عون عبر تويتر “نظامنا ديموقراطي ودستورنا يكفل حرية الرأي وعليه، فإن من حق كل فريق سياسي أن يكون لديه مرشح رئاسي من دون أن يستجرّ ذلك خطاب التخوين والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور. إن احترام الآخر وحقوقه هو في أساس الوحدة الوطنية والعيش المشترك، ومن يريد الوطن لا بد وأن يحترم هذه المبادئ”.
وتطرق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في افتتاح أعمال سينودس الكنيسة المارونية، الى جلسة الغد فقال “يستمع الآباء إلى خلاصة لقاءات السادة المطارنة الموفدين البطريركيّين إلى المرجعيّات المسيحيّة والسنيّة والشيعيّة والدرزيّة. وكانت الغاية التأكيد أنّ البطريركيّة على مسافة متساوية من المرشحين جميعًا، والتشاور مع هذه المرجعيّات بشأن إجراء انتخاب رئيس للجمهوريّة بعد ثمانية أشهر من الفراغ الهدّام للدولة وللشعب، وكان التشديد من الموفدين على إجراء الإنتخاب بالروح الديمقراطيّ التوافقيّ بعيدًا عن التشنجات والنزاعات والعداوات والإنقسامات. فالترشح والترشيح حقّ ديمقراطيّ دستوريّ، واحترام المرشحين في كراماتهم حقّ أخلاقيّ أساسيّ للعيش معًا بسلام وثقة وتعاون في سبيل وطننا الواحد”.
التحضير لزيارة لودريان
في غضون ذلك شرعت السفيرة الفرنسية أن غريو بعد عودتها من باريس في التحضير لزيارة لودريان لبيروت فزارت وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب الذي اكد انه تبلغ من غريو زيارة الموفد الفرنسي الوزير جان ايف لودريان “في القريب العاجل لكن بعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يوم الاربعاء المقبل ونحن رحبنا به خصوصا وانه ديبلوماسي مخضرم ونتمنى له النجاح في مهمته”. اضاف “كما بحثنا في موضوع قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) خصوصا واننا نطالب بإزالة الفقرة التي تضمنها قرار التجديد لليونيفيل السنة الماضية حول توسيع حركة اليونيفيل في الجنوب وابلغناها استعداد الجيش اللبناني لمواكبة اليونيفيل في تحركاته وتمنينا عليها تأمين المحروقات والبنزين للجيش اللبناني لمواكبة اليونيفيل”. وزارت غريو عين التينة حيث استقبلها رئيس مجلس النواب نبيه بري وعرض معها المستجدات السياسية وتطورات الاوضاع العامة لا سيما إستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية. وستكمل جولتها في الساعات المقبلة .