كتبت صحيفة “الأخبار”: ليس بمقدور أحد بدء حوار سياسي متجاوزاً المجزرة الوحشية التي ارتكبها العدو في المستشفى المعمداني في غزة أمس، لذلك كان قرار إلغاء قمة عمان التي كان يُفترض أن تجمع اليوم الرئيس الأميركي جو بايدن وملك الأردن عبدالله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بهدف احتواء الغضب الشعبي الذي تفجّر ليل أمس، وتجنّباً لموجة غضب يُتوقّع أن تكون أكبر اليوم في كل العواصم العربية وحتى الغربية. وفوق ذلك، يهدف القرار إلى إعفاء الرئيس الأميركي من اتخاذ موقف قد لا يناسب «جيشه الإسرائيلي» الذي يواصل جرائمه.
ومع علم الجميع أن جريمة بهذا الحجم لا يمكن أن تُحجب بمواقف وتصريحات أو تنديد رسمي فقط، فإن أحداً لا يمكنه التكهّن بما إذا كان الغرب، بقيادة أميركا، سيستخدم دماء مئات الأبرياء الذين سقطوا أمس لإنزال قادة العدو عن الشجرة. علماً أن العاملين في صناعة القرار الغربي كانوا، حتى قبل ساعات من المجزرة، يعدّون التصوّرات التي تهدف إلى تحقيق الأهداف الإسرائيلية المعلنة لهذه الحرب المجنونة. علماً أن لبنان شهد تجربة مشابهة لما يجري حتى الآن إلى حد التطابق، عندما حفلت الأيام العشرة الأولى من عدوان 2006 بعروض سياسية ودبلوماسية من العواصم نفسها، والقوى الحليفة لها في لبنان، تطلب استسلام المقاومة.
وفي آخر ما تمّ تداوله حيال برنامج عمل الرئيس الأميركي في المنطقة، تبيّن الآتي:
أولاً، أن يُترك له الإعلان عن «هدنة إنسانية» تؤمّن وقفاً لإطلاق النار لساعات معدودة، للسماح لـ«الأجانب» بمغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح، مقابل دخول جزء من المساعدات الإغاثية، شرط أن تتولى الأمم المتحدة الإشراف على توزيع هذه المساعدات.
ثانياً، أن يصار إلى بلورة مقترحات ترد في سياق «صيغة حل سياسي»، تقوم على فكرة أميركية مفادها أنه في حال لم يرد الآخرون لإسرائيل مواصلة العملية العسكرية، فالمطلوب أن توافق الدول العربية المؤثّرة في الملف الفلسطيني، ولا سيما مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، إلى جانب قطر والسعودية وتركيا، على اقتراح بفرض وصاية خارجية على القطاع، من ضمن خطة تستهدف نزع سلاح قوى المقاومة.
ثالثاً، أن تقبل هذه العواصم بمبدأ «الوصاية» من خلال قرار يقضي بإعادة مؤسسات السلطة الفلسطينية وقواتها إلى القطاع، وحل كل المؤسسات التي تديرها حماس وتسليمها للسلطة الفلسطينية التي ستتلقّى دعماً لتعزيز قواتها العسكرية في القطاع وإدارته عسكرياً وأمنياً وإدارياً.
رابعاً، التثبت، من خلال آلية محددة، من أن لا يعود الوضع إلى ما كان عليه، والبحث في فكرة نشر قوات أجنبية على طول الحدود بين قطاع غزة والأراضي المحتلة، وتوسيع المنطقة العازلة بين القطاع وغلافه، ولو تطلّب الأمر تجريفاً لأحياء ومدن ومخيمات.
خامساً، وضع آلية تضمن نزع القوة الصاروخية للمقاومة وإزالة كل البنى التحتية التي تُعتبر سلاحاً خاصاً للمقاومة، بما في ذلك تدمير الأنفاق.
سادساً، تسليم كل الأسرى للسلطة الفلسطينية على أن تتولى إدارة عملية تبادل للأسرى مع قوات الاحتلال، بعد إطلاق سراح فوري لجميع المدنيين، ومن دون شروط.
سابعاً، أن تتولى دول عربية أي عملية لإعادة الإعمار والإشراف المباشر عليها وضمان عدم استفادة حماس وبقية قوى المقاومة من الأمر، وأن تفرض مصر واقعاً أمنياً جديداً يتيح لها الإشراف المباشر على كل ما يجري داخل القطاع، ما يعني إدارة القاهرة الوضع الأمني والسياسي في القطاع.
وفيما كان الموفدون الغربيون وحاملو الرسائل يردّدون عبارات مختلفة تدور حول الفكرة نفسها، واصلوا التهديد بأن إسرائيل أعدّت خطة عسكرية كبيرة لشن هجوم «يسحق حماس ومعها من يقف إلى جانبها في القطاع». وترافق ذلك مع رفع مستوى التهويل ضد لبنان وحزب الله، وصولاً إلى تسريب الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية معلومات إلى الصحافة بأن حكومة العدو ناقشت مقترحاً أمنياً – عسكرياً للقيام بعملية عسكرية استباقية ضخمة ضد حزب الله وأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رفضها.
بايدن الذي يصل اليوم، سيشارك في اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغّرة، ويجلس على طاولة واحدة مع إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، قبل أن ينضمّ إليهم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الذي أعلن أنه سيقوم أيضاً بزيارة «تضامنية» لإسرائيل، وقد سبقهما أمس المستشار الألماني أولاف شولتس الذي ردّد لازمة التخاطب الغربي مع داعمي الفلسطينيين «اجلسوا جانباً، ودعونا نتكتّل لنسحق حماس».
في غضون ذلك، واصل قادة العدو الحديث عن العملية البرية. ونقلت وكالة «رويترز» عن أحد كبار المسؤولين «أن القضاء على حماس، قد يستغرق شهوراً أو حتى سنوات»، فيما توقّع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، أن «تتدخّل» الولايات المتحدة إذا تصاعدت الحرب في غزة إلى حدّ دخول إيران وحزب الله إلى جانب حماس. علماً أن التدخّل الأميركي أصبح قائماً مع الإعلان عن وضع نحو ألفي جندي في حالة تأهّب دعماً لإسرائيل في حربها مع «حماس»، ما يزيد قدرة واشنطن على الاستجابة سريعاً للوضع الأمني المتطوّر. لكنّ الأخيرة أوضحت أنه «لم يُتّخذ أيّ قرار بشأن نشر قوات في الوقت الراهن»، فيما قال الناطق باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، إن الاستعداد لنشر الجنود «يتعلّق بإرسال إشارة ردع».