كتبت “الأخبار” تقول: قبل أسبوعين من انعقاد مؤتمر بروكسيل 8، على مستوى وزراء الخارجية، والذي يشارك فيه لبنان بوفد يرأسه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، تسلّم الأخير رسالة من وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يشرح فيها موقف دمشق من المؤتمر، ومن أزمة النازحين عموماً.رسالة المقداد انتقدت تغييب سوريا، الدولة صاحبة الشأن، عن المؤتمر، في مقابل دعوة أطراف «بعضها يرتبط بجماعاتٍ إرهابية»، في إشارة على الأرجح إلى «منظّمة الخوذ البيضاء»، وذكّر بأن «التغييب المتعمّد للجمهورية العربية السورية، الممثل الحقيقي للشعب السوري، هو تأكيد على النوايا العدوانية لمنظّمي المؤتمر وإصرارهم على النهج العدائي تجاه سوريا التي تعاني من الإجراءات القسرية والاعتداءات من الاحتلال الإسرائيلي والقوات الأجنبية المنتشرة بشكل غير شرعي على أراضيها».
واعتبرت الرسالة «مؤتمر بروكسيل منصة للهجوم على سوريا، حيث تقدّم تعهّدات واهية للشعب السوري»، وأن «المنظّمين هم السبب والمعرقل لجهود إعادة النازحين إلى وطنهم الأم»، مشيرةً إلى خطورة «ترسيخ سابقة الحوار مع (المجتمعات المدنية المزعومة) داخل الدول لمناقشة مستقبلها بدون التنسيق مع حكوماتها الشرعية» باعتباره خرقاً لميثاق الأمم المتحدة، ولفتت إلى أن «الأمم المتّحدة تراجعت عن صفة الرئيس المشارك للمؤتمر واكتفت بالمشاركة على مستوى الخبراء».
وتوجّه المقداد إلى بو حبيب بالقول: «نتفهّم بأن مشاركتكم في هذا المؤتمر تأتي بنيّة طيبة وتنطلق من حرصكم على مساعدة الشعب السوري، لهذا سنقدّر إصراركم على أن يتم الوفاء بأي تعهّدات يمكن أن تقطعوها بالتنسيق مع الحكومة السورية أو من خلال مكاتب الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية المعتمدة في دمشق حصراً، آخذين في الاعتبار عدم إمكانية ضمان وصول المساعدات الإنسانية التي تُقدم في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية إلى مستحقيها من المدنيين السوريين».
وفي الجزء الثاني من الرسالة، أكّد المقداد أن سوريا «تتطلّع أيضاً إلى أن يتم توجيه هذه المساعدات لتمويل مشاريع التعافي المبكر والصمود وسبل العيش، بما يسهم في تحسين الوضع المعيشي للشعب السوري، وتيسير جهود إعادة اللاجئين والمهجّرين السوريين إلى بيوتهم، وذلك وفق التفاهم الذي تمّ التوصل إليه مع المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين». كما ذكّر بالتحدي الإضافي أمام السوريين الذي شكّله الزلزال، وأن الحكومة السورية «منحت الإذن لإدخال المساعدات الإنسانية من خلال معبرين حدوديين (إدلب السلامة – الراعي)، فدخلت بموجب ذلك 891 قافلة وسهّلت قيام الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بـ 388 زيارة إلى شمال غرب سوريا».
دمشق تطلب من لبنان تنفيذ أي تعهّدات يقطعها بالتنسيق مع الحكومة السورية
وختم المقداد رسالته بالتأكيد على أن «المساعدة الحقيقية للشعب السوري تتطلّب تغييراً في المقاربة الخاطئة التي تتبناها الدول المنظّمة للمؤتمر كما تتطلّب رفعاً فورياً وغير مشروط للإجراءات القسرية الانفرادية المفروضة على الشعب السوري وانسحاب كلّ القوات الأجنبية المتواجدة بشكل غير شرعي ووقف نهب الموارد والثروات السورية، لأنه في حال استعادتها ستسهم في اعتماد السوريين على أنفسهم في إعادة بناء حياتهم ومستقبلهم».
تأتي رسالة المقداد في توقيت بالغ الأهمية، لتضع سياقاً سياسياً لما يمكن أن تقبل به دمشق من خطوط عريضة لحل أزمة النزوح بشكل جذري وما تتوقّعه من لبنان في بروكسيل، وحتى في بيروت. وتتزامن الرسالة مع احتدام ملفّ النزوح وحمأة التخبّط اللبناني حياله، بعد انكشاف موقف الاتحاد الأوروبي السلبي تجاه الحلول الجذرية للأزمة، خصوصاً خلال الزيارة الأخيرة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى بيروت، وفي ظلّ تصاعد حملات التحريض والعنصرية ضد السوريين.
ولا يمكن إخفاء الامتعاض السوري من بعض الاقتراحات الشعبوية، مثل طروحات رئيسَي القوات سمير جعجع والتيار الوطني الحر جبران باسيل بإعادة النازحين بحسب انتمائهم السياسي إلى مناطق سورية مختلفة، تحت عنوان «مع وضد النظام».
المزايدات السياسية بين القادة الموارنة، وسعي جعجع إلى استخدام الشارع، قابلتهما أيضاً حملة مزايدة إعلامية وقانونية من الحكومة اللبنانية من دون أي تنسيق مع الحكومة السورية، أوّلاً بالإيحاء بوجود جديد لدى الاتحاد الأوروبي حيال لبنان وهو أمر مجافٍ لما كشفته وقائع زيارة فون دير لاين، وثانياً برمي كرة النار بين يدي المدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على الهواء مباشرةً، ومن ثم في الاجتماعات المغلقة، على أساس أن حل الأزمة أمني وليس سياسياً. ووصل الأمر إلى الحديث عن قوافل عودة غير حقيقية وعن تنسيق غير موجود مع سوريا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزير المهجّرين عصام شرف الدين، الذي أخذ «الضوء الأخضر» من ميقاتي لـ«التصعيد» ضد النازحين بعد فترة طويلة من التوتر بينهما، فخرج بتصريحات غير واقعية حول وجود 20 ألف مسلح سوري في لبنان.
الضغط على البيسري وجهاز الأمن العام، من الحكومة ومن بعض القوى السياسية ولا سيّما من جعجع الذي أوفد النائبة ستريدا جعجع إلى البيسري لعرض أفكار «غريبة عجيبة» حول أزمة النزوح، دفع الأمن العام إلى محاولة سحب فتيل التفجير من الشارع إلى القانون، متخذاً إجراءات قاسية، بعضها انفعالي تجاه السوريين. ففي الفترة الأخيرة، بدأ الأمن العام بسحب الإقامات النظامية من سوريين مقيمين بشكل قانوني في لبنان لدى زيارتهم دمشق، وكذلك مسألة تعديل منح الإقامات السنوية سنداً لكفالات مصرفية وإبدال ذلك بكفالة نقدية توضع في صندوق الخزينة لدى وزارة المالية.