كتبت صحيفة “الأخبار”: في غياب تام للدولة وأجهزتها الأمنية والإغاثية والصحية، تواجه مدينة الهرمل وقراها كارثة إنسانية تهدّد بانفجار اجتماعي وصحي وأمني، بعدما استفاق سكانها، قبل أسبوع، على تدفّق عشرات آلاف النازحين اللبنانيين والسوريين إلى مدينتهم عقب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في دمشق.
وحتى الخميس الماضي، بلغ عدد النازحين من مدينة حمص السورية وقرى ريفها الغربي إلى مدينة الهرمل وقراها في أقصى البقاع الشمالي نحو 62 ألفاً، بما يفوق عدد السكان البالغ نحو 55 ألفاً، إضافة إلى نحو 350 عائلة سورية تقيم في المنطقة منذ بدء الأحداث السورية عام 2011.
فجر السابع من كانون الأول الجاري، مع سقوط مدينة حمص وريفها في أيدي مقاتلي المعارضة المسلحة، بدأ سيل لم يتوقّف من النازحين من الأراضي السورية نحو الأراضي اللبنانية. مئات الجرّارات الزراعية والـ«بيكابات» والدراجات النارية وسيارات التاكسي الصفراء حملت آلاف العائلات التي خرجت ليلاً بـ«الثياب اللي عليها»، من قرى ريف القصير وريف حمص ومن مدينة حمص نفسها، خشية تعرّضها لعمليات انتقامية على أيدي مسلحي المعارضة السورية. أما من بقوا، بعد التطمينات التي أعطتها هيئة تحرير الشام، الفصيل السوري الأكبر، بعدم التعرض للأقليات، فسرعان ما التحقوا بمن سبقهم، بعدما اجتاح مسلحون القرى والبلدات والمزارع في ريف حمص الغربي طالبين من أهلها الرحيل، قبل أن ينهبوا منازلهم ومحالّهم ومصالحهم ومواشيهم ويضرموا النار في المنازل والأشجار والبساتين.
نحو نصف النازحين هم من الشيعة السوريين، فيما النصف الآخر (أكثر من 30 ألفاً) هم لبنانيون يقيمون في نحو خمسة آلاف وحدة سكنية في 33 قرية ومزرعة داخل الحدود السورية، وتعود ملكياتهم إلى نحو 400 عام قبل وجود سوريا ولبنان.
ووفق آخر إحصاء أُجري الخميس الماضي، بلغ عدد الأسر النازحة 12329 (نحو 62 ألف شخص)، نزلت 5224 عائلة منها (نحو 25 ألفاً) في 109 مراكز إيواء (مساجد وحسينيات وقاعات)، وبلغ عدد الأسر في المنازل نحو 7105 (نحو 37 ألفاً). الثقل الإغاثي في هذا الملف مُلقى بالكامل على حزب الله، وباستثناء جهود ضخمة لجمعية «وتعاونوا» التي توزّع مساعدات إغاثية، إلى جانب «جمعية الدراسات اللبنانية»، وإرسال مؤسسة «عامل» عيادتين نقّالتين هذا الأسبوع وتحضيرها لإرسال قافلة مساعدات صحية، لا أثر للمفوّضية العليا لشؤون النازحين أو أي جمعية دولية أو محلية أخرى. وباستثناء زيارة يتيمة وقصيرة لوزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار السبت الماضي، لا وجود لأي نشاط حكومي، بينما الهيئة العليا للإغاثة في «كوما»، ولم ترَ الحكومة حاجة إلى عقد اجتماع طارئ لبحث الأزمة التي بدأت تنذر بمخاطر معيشية وصحية وأمنية تحتاج إلى مقدرات ضخمة لمواجهتها على كل الصعد.
على صعيد الإيواء، لا تزال عشرات العائلات تفترش الطرقات أو «تسكن» في الشاحنات والجرارات والـ«ميكروباصات»، في منطقة تلامس درجة الحرارة الصفر فيها هذه الأيام. فيما مراكز الإيواء المفتوحة تفتقد إلى كثير من المستلزمات كونها غير مجهّزة لاستيعاب أعداد ضخمة. ففي أحد المجمّعات الدينية، مثلاً، يقيم 2000 شخص يتناوبون على أربع حمامات فقط غير مزوّدة بالمياه الساخنة وغير مُهيّأة أساساً لاستخدامها للاستحمام. كما أنها غير مزوّدة بخزانات مياه كافية لهذه الأعداد الضخمة من الناس، فضلاً عن نقص الكهرباء والتدفئة. كما أن النقص الكبير في مواد التنظيف وحليب الأطفال والحفاضات والمستلزمات النسائية بات يهدّد بانتشار الأمراض وبكارثة صحية.
وقد رُصدت بالفعل حالات جرب الأسبوع الماضي، إضافة إلى تسجيل حالة إصابة بالسلّ أمس، فضلاً عن نقص كبير في أدوية الأمراض المزمنة، علماً أن المدينة تضم مستشفى حكومياً وثلاثة مستشفيات خاصة لا يزيد عدد أسرّتها جميعاً على المئة، عليها أن تخدم حالياً أكثر من 120 ألف نسمة. ويُقدّر عدد الحالات التي تقصد أحد هذه المستشفيات يومياً بنحو 900، فيما هناك حاجة ماسّة إلى تحرك وزارة الصحة لتغطية نقص الأدوية وإيجاد طريقة لتغطية كلفة الاستشفاء خصوصاً للمرضى الذين يحتاجون إلى غسل الكلى.
على الصعيد الغذائي، هناك حاجة ماسّة إلى إقامة مطابخ مركزية وفرعية لتأمين وجبات للنازحين في ظل نقص كبير في الغذاء يواجهه هؤلاء. فرغم الجهود الضخمة التي يبذلها المعنيون يجري توزيع ما معدّله 4500 ربطة خبز يومياً على أكثر من 12 ألف عائلة بمعدّل ربطة لكل ثلاث عائلات، علماً أن معظم النازحين أساساً هم من الفقراء الذين لم يحملوا معهم أي أموال تساعدهم على مواجهة أعباء النزوح، فيما من حمل منهم أموالاً يجد صعوبة في تصريفها، أو يصرّفها بأقل بكثير من قيمتها بسبب المخاوف من إقدام الحكم الجديد في سوريا على وقف التداول بالعملة الحالية.
أمنياً، تجزم مصادر متابعة بأن المؤسسة العسكرية، منذ سقوط النظام السوري، لم تجر أي عملية إعادة انتشار ولم تزد أي نقطة على طول الحدود اللبنانية – السورية. كما أن لا وجود للجيش لحفظ الأمن داخل مدينة الهرمل ولا حول مراكز النزوح، رغم تضاعف عدد السكان بين ليلة وضحاها، ما يهدّد بتفلّت أمني، إذ إن بين من دخلوا إلى لبنان مطلوبين من تجار المخدّرات والمجرمين وزعماء عصابات كانوا قد لجأوا إلى تلك المناطق خوفاً من توقيفهم. كذلك بدأت تُسجّل عمليات سطو وسرقات يتعرّض لها نازحون. ويكتفي الجيش حالياً بحصر النازحين في الهرمل نفسها، ويمنع انتقال أيّ منهم إلى قرى بقاعية أخرى بما يمكن أن يوزّع العبء ويخفّف من أزمة المدينة. ويتذرّع الجيش بأن هناك قراراً اتخذته الحكومة سابقاً بمنع دخول سوريين إلى الأراضي اللبنانية، علماً أن الأمن العام سمح، بقرار شفهي من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أخيراً، بإدخال ستة آلاف عائلة فرّت من سوريا بعد الأحداث الأخيرة، عقب إبقائها في العراء لأربعة أيام. ويبدو المنع الذي يفرضه الجيش على خروج أي أسر نازحة من الهرمل مستغرباً جداً، إذ إن هؤلاء باتوا فعلياً داخل الأراضي اللبنانية، ولا فرْق في ذلك بين أن يبقوا في الهرمل أو ينتقلوا إلى قرى مجاورة، إلا إذا كانت الهرمل بالنسبة إلى الدولة خارج أراضيها، كما كانت دائماً خارج حساباتها.
النازحون الجدد 85 ألفاً
بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية يوجد حالياً 133 مركز إيواء غير رسميّ في محافظة بعلبك – الهرمل (حسينيّات، مساجد، قاعات، مقاه) تضم 52,600 نازح في ضيافة لبنانيين في المنازل، غالبيتهم من اللبنانيين، وحوالي 33,000 نازح داخل مراكز الإيواء غالبيتهم من السوريين. فيما قدّر حزب الله عدد الأسر النازحة بـ 12329 عائلة في الهرمل، 1300 عائلة في بلدة اللبوة، 1500 في بعلبك، 900 في قرى غرب بعلبك، 600 في قرى شرق بعلبك، 1400 في النبي شيت، و200 في زحلة وشتورا.
العائلات اللبنانية
هناك 33 قرية ومزرعة يسكنها لبنانيون داخل الحدود السورية (أبرزها الجنطلية، الصفصافة، زيتا، مطربا، الحمام، الديابية، غوغران، السماقيات…)، يبلغ عدد سكان بعضها المئات. وأبرز العائلات اللبنانية التي تقع ملكياتها داخل الأراضي السورية: حمادة، صقر، قطايا، زعيتر، الجمل، الهق، النمر، عساف، مدلج، صفوان، طه، نون، جعفر، ناصر الدين، مسرّة، وريدان، إدريس، مندو والسحمراني.